الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الدعوية @ 6 – الرد على سفهاء الغرب في طعنهم على خير الخلق


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1429
عدد القراء: 777
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : لقد عاش نصـارى أوروبــا دهراً طويلاً من الزمــان في ظـــلام حالك ، لا يفقهون شيئاً ، ظلمات بعضها فوق بعض.

- لقد عاشوا قروناً متعاقبة في ذيل الحضارة الإنسانية ، فيما يسمونه هم بعصور الظلام ، أو العصور الوسطى.

- لقد ضلَّ النصارى في عقيدتهم ، فخلطوا بين التوحيد والشرك ، لقد أمضوا أكثر من ألفي عام يختلفون في الإله الذي يعبدونه ، فما اتفقوا على شيء.

- وما زالوا منذ مئات السنين يتجمعون وحتى الآن : يبحثون صفة الإله الذي يعبدونه، فيختلفون ويتلاعنون ، ويكفر بعضهم بعضاً.

- ولقد ضلَّ النصارى أيضاً في منهج العبادة ، فلا يعرفون كيف يعبدون ربهم، حتى كان منهم الرهبان والقساوسة ، والعاكفون في الصوامع.

- لقد ضلوا أيضاً في معاملاتهم ، فلم يعرفوا كيف تُدار الحياة فيما بينهم ، حتى عمَّت المظالم بينهم ، لاسيما على الأطفال والمساكين والنساء.

- لقد ضل النصارى في كلِّ شيء ، وصدق الله العظيم حين وصفهم بالضالين ، ومازال المسلمون يتلون هذا الوصف في كل ركعة من صلاتهم، في سورة الفاتحة : " غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ".

- ولقد استغلت الكنائس الأوروبية هذا الوضع فسيطرت على حياة الناس الدينية والدنيوية، وأذاقتهم سوء العذاب.

- فلم يكن لأحد من النصارى أن يعتقد أو يفكر أو يسلك فيما يخالف توجهات الكنيسة ورجالها من القساوسة والرهبان.

- ثم بقيَ النصارى على هذا الحال حتى سطع النور مشعشعاً من جهة المشرق ببعثة سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم.

- بعثه الله تعالى على فترة من الرسل ، عمَّ فيها الضلال والفساد والظلم، بعثه الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، بعثه الله رحمة للعالمين.

- لقد بعثه الله لإصلاح العقائد الفاسدة ، وتسديد نهج العبادة ، وإقامة العدل بين الناس في معاملاتهم وعلاقاتهم.

- فلم تمضِ ثلاثون عاماً من نزول الملك عليه صلى الله عليه وسلم على جبل حراء حتى كان دعاة الحق من المجاهدين يحملون أنوار الهداية إلى شرق أوروبا وجنوبها.

- لقد ركبوا ظهور الخيل ومتون السفن ، يقطعون الفيافي وغمار الماء ، يحملون إلى أهل أوروبا الهداية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم.

- يبلِّغونهم رسالة الله إليهم، والنداءات التي خاطبهم الله بها :

- " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ".

- : " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ...".

- " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ".

- " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ".

- " قُلْ يَا أَهْــلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُــرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ".

- " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء ...".

- " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ... ".

- " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ".

- " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".

- " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ".

- ولقد انطلق المسلمون في القرن الأول يجوبون الدنيا ، يحملون هذه الرسالة وهذه النداءات إلى أهل الكتاب في أوروبا.

- ثم استمر الاحتكاك بين المسلمين ونصارى أوروبا قروناً متطاولة ، بين: دعوة وحرب وتجارة وفتح.

- وكان من نتائج هذا الاحتكاك تأثر النصارى بشيء من ثقافة المسلمين وآدابهم وعلومهم، إضافة إلى إسلام كثير منهم ، وتحوُّل بعض بلادهم إلى بلاد إسلامية.

- ومن هنا بدأ الفتح على أهل أوروبا من خلال علوم المسلمين ، فأخذوا يواجهون أهل السلطة في بلادهم من الملوك الإقطاعيين والرهبان المتنفِّذين.

- وكان من نتائج هذا الصراع أن ظهرت العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة، وتُزيل معنى التقديس عن كلِّ شيء مهما كان عظيماً.

- فكانت الجرأة على الدين في عصر النهضة والتنوير في أوروبا، حتى لم يعد للنصارى شيء يقدسونه إلا العقل ونتائجه المادية.

- ثم كانت الثورة الصناعية ، عندما فتح الله عليهم كنوز الأرض ، حين نبذوا البقية الباقية من دينهم ، " فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ".

- إنها سنة الله فيمن يتنكَّر لدينه أن يفتح عليه من الدنيا ، ولكن تنتظره أخذةٌ قوية عنيفة ، هي بقية هذه السنة : " حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً...".

- إن النصارى ينتظرون باقي السُنَّةِ في أخذهم بغتة ، ولكن لن يُسعد الله أمة الإسلام بهذا حتى تأخذ الأمة دينها بقوة، ويمثلوا الإسلام بحق في واقع الحياة.

* * *

- أيها الإخوة : تناقلت وسائل الإعلام أخبار تطاول بعض الصحف الأوروبية على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في صور وعبارات لا تليق بإنسان من عامة الناس فضلاً عن سيد الخلق، ولكن هذا حال السفهاء في جميع المجتمعات حينما يغيب سلطان الحكماء والعقلاء.

- إن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بكثير وأجَلُّ من أن تنالَه هذه الإساءات بشيء، ولكن المسلم يحزن ويتألم لمثل هذه القبائح الخلقية.

- ثم إن مثل هذه الإساءات ليست الأولى من نوعها في القديم أو الحديث، فما زالت شخصية محمد صلى الله عليه وسلم محطَّ إثارة بين المعجبين به، والمناوئين له.

- فكم من كاتب غربي منصف تكلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحلى وأجمل الكلام؟! وكم من سفيه حاقد مريض تكلم عنه بأقبح الكلام؟!

- فلن تنفع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات المادحين ، ولن تضرَّه عبارات السفهاء الساقطين ، بعد أن اختاره الله واصطفاه سيداً لولد آدم.

- ماذا ينال الحاقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وماذا يضيف المادح إليه بعد أن خاطبه ربه قائلاً: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ".

- وبعد أن قال له: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".

- وقال: " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ".

- أيها المسلمون : إن مما ينبغي أن نعرفه : أنه لم يعد للغربيين ما يقدِّسونه من أمور الدين، فليس بغريب أن يتطاولوا على مقدَّسات غيرهم.

- ولكن الغريب على الحقيقة أن يُوجد من أبناء المسلمين ، ممن يعيشون في بلاد المسلمين ومع ذلك يتطاولون ليس فقط على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بل حتى على الذات الإلهية، بكلام وعبارات يستحيي الكفار أن يتلفَّظوا بمثلها ، أو يكتبوها في كتبهم.

- يفعلون ذلك تحت ستار الأدب اللغوي ، والإبداع الفني ، والرواية القصصية، ثم ينالون على قبيح صنيعهم هذا الجوائز المحلية والعالمية.

- أليس هؤلاء أولى بالزجر والتأديب من سفهاء الدانمارك والنرويج؟ فأين عصا التأديب من ظهور هؤلاء؟ وأين سيف الحق من رؤوسهم؟

- إن هذه الحملة الإعلامية على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل بوضوح على ضعف المسلمين وذلِّهم، وهوانهم على الناس.

- لم يكن أحد من أهل الملل الأخرى يتجرأ على مثل هذا زمن عافية الأمة وقوتها ، فقد أقام المسلمون حروباً كاملة على أقل من هذا.

- أيها المسلمون : ولئن كان في هذا الحدث إزعاجٌ للمسلمين، فإنه مع ذلك يحمل شيئاً من الإيجابيات، ومنها:

- إقامة الحجة على الكافرين ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد بلغ خبره الجميع، وهذه حجة الله عليهم.

- ومن الإيجابيات في هذا الحدث أيضًا : إثارة الغربيين للقراءة عن الإسلام، فكثيراً ما تثيرهم هذه الأحداث للاطلاع على دين الإسلام.

- ومن الإيجابيات أيضًا حصول مزيد من الأدلة على أن النصارى أعداءٌ لنا، يحملون الحقد والحسد حتى على خير الناس.

- من الإيجابيات هذا التفاعل الواسع ، الذي حصل من المسلمين ضد من تطاول على أعظم مقدَّساتهم ، وسعيهم الإيجابي في مقاطعة منتجاتهم التجارية.

- يذكِّرنا هذا الموقف بموقف معاذ ومعوذ رضي الله عنهما يوم بدر ، حينما التفت أحدهما سراً إلى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقال: « يا عم، أرني أبا جهل، فقلت : يا ابن أخي فما تصنع به ؟ قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجلُ منا، قال: فتعجَّبت لذلك، قال: وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبُكما الذي تسألانني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ».

- اللهم احفظ للمسلمين حُرُماتهم، واحفظ عليهم مقدساتهم، ولا تُغْرِ بهم السفهاء ولا الحاقدين.

- اللهم احفظ مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبث السفهاء والحاقدين، واجعل اسمه على رؤوس الكافرين.

- اللهم كما تطاولوا على مقامه العظيم بالشتم : فسخرهم رغماً عنهم لمدحه والثناء عليه.