الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإقتصادية والسياسية @ 16- الأسباب الحقيقية للأزمات الاقتصادية


معلومات
تاريخ الإضافة: 17/8/1429
عدد القراء: 887
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : منذ أول الدهر ارتبطت أوضاع الناس الطيبة والسيئة بأعمالهم الصالحة والفاسدة .

- فبقدر ما تكون أعمال العباد حسنة : تكون أحوالهم طيبة، وبقدر ما تكون أعمالهم قبيحة: تكون أحوالهم سيئة.

- فالرابطة في غاية القوة بين صلاح الأعمال وصلاح الأحوال، وبين فساد الأعمال وفساد الأحوال.

- حتى إن الأعمال الصالحة تكون سبباً في ازدهار الحياة، وكثرة الخيرات، وظهور البركات، وسعة الأرزاق.

- وفي الجانب الآخر : فإن الأعمال السيئة تكون سبباً في ضيق العيش، وقلَّة الخيرات، وفساد الأحوال.

- وهذا التاريخ الإنساني شاهد على أقوام شكروا الله تعالى ، وأقاموا دينهم، وأطاعوا ربهم: فازدهرت أحوالهم.

- كما شهد التاريخ على آخرين، فرَّطوا في حق الله تعالى، وخالفوا رسله: فأذاقهم الله بأسه الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.

- " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ".

- أيها الإخوة : لقد أقام الله الحياة الإنسانية على سنن ثابتة لا تتخلَّف، من عمل بها وصل إلى نتيجتها حتماً.

- فمن سننه الثابتة التي لا تتخلَّف : أن من عمل بطاعته: سَعِدَ في الدنيا والآخرة ، حتى وإن كان في ضيق من العيش.

- ومن عمل بغير طاعته : تعس في الدنيا والآخرة، حتى وإن كان في سعة من العيش، وبحبوحة من الرزق.

- لقد مرَّ على الحياة أناس قاموا بحق الله : فشرح الله صدورهم، وملأ بالرضا قلوبهم، رغم ضيق العيش، وشدة المؤونة.

- وكم من أناس خالفوا أمر الله، وفرطوا في دينهم: فضاقت عليهم نفوسهم، وتكدَّر عيشهم، رغم سعة أرزاقهم ، وكثرة أموالهم.

- إن الغنى في الحقيقة هو غنى القلوب، حين يملؤها الله بالرضا، والفقر-في الحقيقة- هو فقر القلوب، حين تُملأ باليأس والضجر.

- لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربط الحجر على بطنه من الجوع، وهو أسعدُ الناس نفساً، وأشرحُهم صدراً، وأزكاهم روحاً.

- لقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يسقط صريعاً من شدة الجوع، ومع ذلك لا يسأل أحداً شيئاً، لقد ملأ الله قلبه بالإيمان، ونفسه بالرضا.

- أيها الإخوة : يشكو الناس من ارتفاع الأسعار، وضيق الأرزاق، وكثرة التكاليف، وقلَّة الموارد.

- ولا شك أن هذا وضع مؤلم، يُعاني المجتمع من قسوته وشدَّته، فإن أحدهم قد لا يجد مؤونة شهر، حتى يضطر إلى الدَّين.

- بل إن بعضهم قد لا يجد ما يكفيه لأسبوع واحد، بل ربما لا يجد بعضهم قوت يومه وليلته في ظل هذه الظروف الاقتصادية القاسية.

- إن هذه الأزمة الاقتصادية الحادة التي أصابت الناس: لها أسباب ظاهرة، وأسباب أخرى باطنة.

- فأما الأسباب الظاهرة فهي ما يتناقله الناس ويعبِّرون عنه من: انخفاض العملة، وارتفاع أسعار النفط، وجشع التجار ونحوها.

- وأما الأسباب الباطنة ، التي يغفل عنها كثير من الناس وربما استنكرها، وهي – في الحقيقة- الأساس وراء كلِّ أزمة ومشكلة : إنما هي المعصية.

- حينما يجاهر بها الناس في المجتمع، ولا يجدون من ينكر عليهم، ويأخذ على أيديهم، فهؤلاء يصبحون شؤماً على المجتمع.

- يستجلبون بمنكراتهم غضب الله تعالى وسخطه، فيأخذ الله الجميع بذنب الخاصة منهم حين سكتوا ، ورضوا بأفعالهم.

- فلننظر – أيها الإخوة – في أنفسنا، ولنتساءل : كم هو حجم التقصير الذي وقعنا فيه في جنب الله تعالى؟

- كم هي المعاصي التي اعتدنا عليها، وأصبحت جزءاً من حياتنا، لا نستنكرها ولا نستقبحها؟!

- إن الصلاة والصيام والحج طاعة من بين الطاعات الكثيرة التي أمرنا الله تعالى بالقيام بها.

- فالدين الذي ألزمنا اللهُ به ليس مجردَ صلاة وصيام وحج فقط، بل هو منهج الحياة بأكملها، في جزئياتها وكلياتها.

- لقد كلَّفنا الله القيام بدين ينتظم الدنيا كلَّها، لا يغيب عن ذلك شيء: " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ".

- إنه الدين الشامل الذي أمرنا الله بالدخول فيه، والصِّبغةُ الربانية التي أمرنا أن نصبغَ بها حياتنا.

- فما قيمة الشعائر التعبدية إذا كانت الحياة تقوم على غير منهج الله؟ فإما أن يكون الدين كلُّه لله، أو يكون لغير الله ؛ فإن هذا الدين لا يقبل الشركة.

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ".

* * *

- أيها المسلمون : لنعودَ إلى أنفسنا، ونتلمَّس الخلل الذي كان وراء أزماتنا الاقتصادية، لننظر في تفريطنا وتقصيرنا ، هذا خير لنا من كثير الكلام ، وخير لنا من إلقاء اللوم على الآخرين.

- إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يقع فيه، وكذلك المجتمع إن تواطأ الناس على معصية وجاهروا بها: حُرموا جميعاً الرزق ، وأتاهم من شدة المؤونة ما يقلقهم.

- ومن ظنَّ من الناس أنه لا علاقة للمعصية بالأزمات الاقتصادية، فقد جانب الصواب، وضلَّ الطريق.

- اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، ونتبرَّأ من حولنا وقوتنا، فأنت الرزاق ذو القوة المتين.

- اللهم وسِّع أرزاقنا، ورخِّص أسعارنا، وبارك لنا فيما رزقتنا يا رب العالمين.