الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإجتماعية @ 11- صناعة المعروف


معلومات
تاريخ الإضافة: 10/8/1429
عدد القراء: 1093
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : يظن بعض الناس أن الأعمال الصالحة مرتبطةٌ بمواسم معينة ، تبدأ معها وتنتهي بانتهائها.

- فترى بعض الناس ينشط للأعمال الصالحة والبر والإحسان في رمضان، فإذا انقضى الشهر قطع على نفسه الأجر والثواب.

- ولئن كانت مواسم الخير تتأكد فيها الأعمال الصالحة لمضاعفة الأجور، فإنها مع ذلك غيرُ مرتبطة بها، ولا مشروطة بها.

- فالصلاة المفروضة والنفل، والزكاة، والصدقة، وقراءة القرآن، والذكر، كلُّها - وغيرها كثير- غير مرتبطة برمضان ولا بغيره من الشهور ، وإن كانت تضاعف في بعض الأزمنة والشهور.

- وكذلك صيام النفل، وصلة الأرحام، والتوسعة على العيال، ولبس الجديد، ليست مرتبطة بشوال، وإن كانت تتأكد فيه.

- إن أيام المؤمن وساعاته ولحظاته كُلَّها مواقع للعمل الصالح، لا يُبَدِّد شيئاً منها في غير نفع، وليس للمؤمن منتهى من العمل الصالح إلا بالموت.

- وحتى الموت فإنه لا يحول دون استمرار الأجور والثواب، فأين الصدقة الجارية ، والعلم الذي ينتفع به ، والولد الصالح الذي يدعو له؟.

- أيها المسلمون: لقد فتح الله لنا أبواب المعروف والخير كأوسع ما يكون، نلِجُها في كل وقت وحين، لا تتقيد بزمان ولا مكان.

- كما قال تعالى : "فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ".

- وقال: "وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".        

- قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «كل معروف صدقة».

- وقال –أيضاً- : « صنائع المعروف تقي مصارع السوء ». 

- وقال – أيضاً -: « إن أهل المعروف في الدنيا: أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا: أهل المنكر في الآخرة ».

- وقال – أيضاً -: «إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه».

- أيها المسلمون: إن من أوسع أبواب الخير التي فتحها الله تعالى لنا: صناعة المعروف للناس، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم  : «خير الناس أنفعهم للناس».

- وهذا باب شامل واسع يستوعب كل فعل أو قول حسن يمكن أن ينفع الناس ، ابتداءً من إنقاذ حياتهم من الهلاك ، حتى التبسُّم في وجوههم.

- فهذا الملهوف الذي اجتاحته مصيبة ، يحتاج إلى من يأخذ بيديه ليدُلَّه على المخرج من مصيبته.

- وهؤلاء أصحاب الحاجات المكروبون ، يحتاجون إلى من يمشي معهم في حاجاتهم لتقضى ؛ فإن لله عباداً خصَّهم لقضاء حاجات الناس.

- وفي الحديث : «من فرَّج عن أخيه كربة من كرب الدنيا : فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم : ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله عز وجل  في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه».

- وهؤلاء الفقراء ممن ضاقت بهم السبل، وعجزوا عن الكسب، هم في حاجة إلى أهل المعروف يتصدَّقون عليهم.

- وفي الحديث: «إن العبد ليتصدق بالكِسرة، تربو عند الله حتى تكون مثل أحد».

- وفي الحديث – أيضاً -: «إن الله تعالى يُدخل بلقمة الخبز ، وقبضة التمر، ومثله مما ينفع المسكين ثلاثةً الجنة: صاحب البيت الآمر به، والزوجةَ المصلحة، والخادمَ الذي يناول المسكين».

- والإسلام يحترم الصدقة وإن كانت قليلة، والمسلم لا يحتقر شيئاً يقدمه بين يدي لقاء ربه، فإن المرء في ظل صدقته يوم القيامة ، فهنيئاً لمن وسَّع ظله.

- ومن الناس من لا حاجة له إلى المال ولا إلى الجاه، فعنده ما يكفيه منهما، ولكنه في حاجة إلى استشعار الرحمة من إخوانه المسلمين.

- فإن الشعور بالرحمة والوُد من المسلمين من أعظم معاني السعادة التي ينشدها الإنسان ، حتى وإن كان غنياً .

- والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده لا يضع الله الرحمة إلا على رحيم، قلنا: يا رسول الله كلنا رحيم، قال: ليس الذي يرحم نفسه وأهله خاصة، ولكن الذي يرحم المسلمين ».

- وقال – أيضاً -: « الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض : يرحمكم من في السماء ».

- وإن من أعظم أبواب المعروف : تعليمَ الناس الخير، ودعوتهم إلى الهدى، ودلالتهم على الخير وأعمال البر ؛ فإن من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه، ومن دلَّ على خير كان له مثل أجر فاعله، فهذا باب واسع لطلاب الأجور والثواب .

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ".

* * *

- أيها المسلمون : إن فضل الله عظيم، ورحمتهُ واسعة، تنتظر طلابها ومستحقيها، ممن بذل المعروف، وصنع الخير.

- لقد غفر الله لزانية من بني إسرائيل حين سقت كلباً، أفلا يغفر لمسلم مصلٍّ يبذل المعروف للمسلمين؟ فيهيئ لهم من الماء ما يشربونه.

- لقد غفر الله لرجل أزاح شجرة عن طريق الناس حتى لا تؤذيهم ، أفلا يغفر لرجل سعى لفتح طريق يعبر منه المسلمون لحاجاتهم ؟

- إن الله يثيب الرجل حين يخدم أهله، ويثيبه على الكلمة الطيبة يقولها، ويثيبه حتى على تبسُّمه في وجه إخوانه المسلمين حين يلقاهم .

- أيها المسلمون: إن المشكلة لا تكمن في قلَّة أبواب الخير، أو صعوبة بلوغها، أو جهلنا بها، وإنما تكمن في قصور همَّتنا، وضعف عزيمتنا، وقلَّة رغبتنا في بلوغها، فهل من عزيمة صادقة، ونية خالصة نبلغ بها بعض أبواب الخير.

- اللهم وفقنا لذلك، وبلغنا إياه بفضلك يا رب العالمين.