الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ تربية الشباب @ 4ـ أسباب إجرام الشباب في المجتماعات المعاصرة


معلومات
تاريخ الإضافة: 6/10/1427
عدد القراء: 4536
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

·   إن الناظر في أحوال العالم اليوم يجد أن الجريمة التي توجب الحدَّ أو التعزير تحتل جزءاً كبيراً من طبيعة الحضارة المعاصرة التي قامت على غير النهج الإيماني.

·        وقد أصبحت الجرائم بكلِّ أنواعها جزءاً من طبيعة الحياة المادية المعاصرة, وهي في زيادة مطردة ومستمرة.

·        ولم يعد هناك مجتمع أياً كان في مأمنٍ من تعاطي الجريمة، والإنزعاج بآثارها.

·   وقد أصبحت الجريمة مسلكاً يتعاطاه أناسٌ من جميع طبقات الناس، وليست خاصة بفئة من الناس ، فقد تأتي الجريمة من الغني، ومتوسط الحال، والفقير ، وتأتي من المتعلم والجاهل وهكذا، فهي في جميع فئات المجتمع بنسب مختلفة.

·   وقد ارتفعت معدلات الإجرام في المجتمع المعاصر لتصل في بعض البلاد العربية إلى معدل جريمة لكلِّ ستةٍ وثلاثين شخصاً.

·        وأصبحت معدلاتها المذهلة والمتفاقمة والمُتتابعة تُقاس وتُحسب بالدقائق والثواني.

·   ولم تعد أنواع الجرائم قاصرةً على بلاد معينة, بل إن كلَّ بلاد الدنيا تشترك في أنواع الجرائم ولكن بنسب مختلفة.

·   فالقتل والسرقة والرشوة والسحر والزنا واللواط والاغتصاب والخطف والانتحار والمخدرات والردة: لا تكاد تنفك عنها بلد من البلاد المعاصرة.

·   ويقوم الشباب للأسف في عالم اليوم بالجزء الأكبر والنصيب الأوفر من العمليات والممارسات الإجرامية، الموجبة للحدِّ أو التعزير.

·        فالشباب اليوم هم أكثر فئات المجتمع إزعاجاً وضلالاً وفساداً.

·        وقد كان من المفروض أن يكونوا هم عماد الأمة، وسر نهضتها، ومخرجها نحو التفوق والتقدم.

·   أيها المسلمون : لماذا ينحرف الشباب ؟ هل هو قضاؤهم أن يكونوا منحرفين؟ أم أن هناك أسباباً دفعتهم للانحراف ؟

·        إن الشباب لا يصطنعون الأزمات، وإنما يعكسون قيم المجتمع من حولهم، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.

·   أيها المسلمون : كيف يسوغ لنا أن نطالب شبابنا بالإيمان والثبات على العقيدة، في مجتمع ضعف فيه الإيمان، واختلت فيه العقيدة ؟

·   وكيف نطالبهم بالأخلاق: من الصدق والأمانة والأدب, في الوقت الذي تحيا فيه الأمة في غالب أحوالها بلا أخلاق ولا آداب ؟

·   وكيف لنا أن نطالبهم بالاستقامة والانضباط، في الوقت الذي عَجَزَ فيه المربون أن يستقيموا هم في أنفسهم ، وأن ينضبطوا في سلوكهم ؟

·   وكيف لنا أن نطالبهم بالزهد في المال، والأكل من الحلال، في الوقت الذي يتكالب فيه المجتمع على الأموال : يجمعها من حلال وحرام ؟

·   ثم كيف لنا أن نطالبهم بالعفة الجنسية، وغض البصر عن المحرمات،  ثم نزج بهم بعد ذلك في وسط المغريات والفتن ؟

·   إن هذه المتناقضات الاجتماعية التي نعيشها، ويعيشها معنا الشباب لا يمكن أن تخرِّج شخصية سوية مستقيمة السلوك, وإنما تنعكس في شخصية الشاب صورة المجتمع.

·   أيها المسلمون : بمن يقتدي الشاب اليوم, أيقتدي بأبٍ عَجَزَ أن يستقيم في نفسه, أم بأمٍ ليس لها همٌ إلا أن تلبس وتأكل, وتنتظر الزمن الذي تنزع فيه جلبابها, أم بمعلمٍ ليس له همٌ إلا أن يقبض راتبه في آخر الشهر.

·   إن الشاب الذي يستقيم في ظروف مجتمع اليوم المتناقض هو في الحقيقة وليٌ من أولياء الله, قد عصمه الله بفضله ورحمته، وفي الحديث: »يعجب الله لشابٍ ليست له صبوة «.

·   فاتقوا الله أيها الناس، وارحموا الشباب, واعلموا أنهم ثمار تربيتكم, ونتاج أعمالكم, ولا يقل أحدٌ إني بريء فكلُّنا مسؤول , وليس أحدٌ إلا وفيه تقصير, فاتقوا الله ما استطعتم, والله المستعان, ولا حول ولا قوة إلا بالله.

^   ^   ^

·   أيها المسلمون : ولئن كنَّا نحمِّل المجتمع أسباب انحراف الشباب, وفتنتهم عن دينهم وأخلاقهم : فإن الشباب لا يُعذرون بالانحراف، والمسلك الخاطئ.

·   لقد أجمع المسلمون على أن من بلغ الحلم فهو مكلَّفٌ شرعاً, ومسؤول عن تصرفاته, وهو مُخاطب بالكتاب والسنة، مثله مثل الكبار.

·   فلا يجوز للشاب أن يعتذر عن ضلالاته وأخطائه بانحراف المجتمع, أو أن يُحمِّل مؤسسات المجتمع أخطاءه التي يقع فيها.

·   فالشاب مكلَّفٌ شرعاً بالاستقامة وإن فسد المجتمع, كما أن المربين والمجتمع عموماً مكلَّفون بالاستقامة في أنفسهم, وإصلاح من هم تحت أيديهم, فالكلُّ راعٍ, والكلُّ مسؤول عن رعيته.

·   أيها المسلمون :  إن من واجب المجتمع أن يقوم بمسؤولياته تجاه الشباب، وأن يُجنِّد مؤسساته جميعاً لتربية الشباب.

·        فالأسرة لابد أن تكون محضن الرحمة والعطف والرعاية, وقاعدة بناء شخصية الشاب المسلم.

·        والمدرسة لابد أن تكون مؤسسة تربوية لبناء العقل، وصقل المواهب، وتوجيه الطاقات.

·        والمسجد لابد أن يكون داراً للتربية الروحية, واليقظة الإيمانية، يجد فيه الشاب راحة نفسه، وغذاء روحه.

·        والشارع لابد أن يكون ترجمة لمفاهيم الإسلام السلوكية وآدابه الاجتماعية.

·   والإعلام لابد أن يكون لسان الأمة الصادق الذي يعكس قيمها وأخلاقها وعقيدتها، ويعبِّر بصدق عن المبادئ التي يؤمن بها المجتمع.

·   لابدَّ أن يجد الشاب ساحة في الحياة الاجتماعية ليُطبِّق فيها ما تعلَّمه من الأخلاق والآداب الإسلامية ؛ إذ ليس من المعقول أن تكون آداب الإسلام وأخلاقياته معلومات نظرية، لا مكان لها في واقع الحياة الاجتماعية.

·        أيها المسلمون : هذه واجبات المؤسسات الاجتماعية تجاه الشباب, فهل قامت هذه المؤسسات بواجبها؟.

·   فإن قامت بواجبها فإنها معذورة حينئذٍ وغير مسؤولة عن انحراف الشباب وضلالهم , ولكن للأسف فإن الواقع يشهد بغير ذلك من التقصير الشنيع ، والتفريط الكبير في المجتمع ومؤسساته،  والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.