الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الأخلاقية @ 12ـ الصمت وحفظ اللسان


معلومات
تاريخ الإضافة: 12/9/1427
عدد القراء: 6541
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

·   عضوٌ من أعضاء الإنسان ، صغير في حجمه ، إلا أنه خطير في شأنه, يرتفع به الإنسان إلى أعلى الدرجات, وربما انحطَّ به إلى أسفل الدركات, إنه اللسان, أسهل أعضاء الإنسان في حركته, فميدانه واسعٌ رحب, إلا أنه أصعب الأعضاء في ضبطه, فلا ينجو من شرِّه إلا القليل ممن قيَّده بالشرع.

·   يقول الفضيل بن عياض عن صعوبـــة ضبطه: » ما حجٌ ولا رباطٌ ولا جهادٌ أشدَّ من حبس اللسان, ولو أصبحت يُهمُّك لسانُكَ: أصبحت في غمٍ شديد, فليس أحد أشدَّ غماً ممن سُجنَ لسانُهُ «, ولهذا كان يُقال: حفظ اللسان أشد من حفظ المال.

·   إن الرجل ليقول الكلمة فيكفر, ويقولها فيجلد, يقولها فتقوم الحرب, ويقولها فتقطع الأرحام، ويقولُها فتحرُم عليه زوجته.

·   ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في خطر اللسان: » إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عليه بها سُخْطهُ إلى يوم القيامة «, ويقول: » إن الرجل ليتكلم بالكلمة يُضحكُ منها جلساءَه يهوي بها أبعدَ من الثريا «.

·   ويقول أيضاً: » إذا أصبح ابن آدم ، أصبحت الأعضاء كلُّها تُكفِّر اللسان تقول : اتق الله فينا, فإنك إن استقمت اسـتقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا «، ويقول أيضاً: » أكثر خطأ ابن آدم في لسانه «.

·   ويقول سلمان الفارسي  رضي الله عنه عن خطر اللسان: » أكثرُ الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم كلاماً في معصية الله «.

·       إن أقلَّ ما يصيب الإنسان من كثرة الكلام: ذهابُ الوقار, وضعف المروءة, وقسوةُ القلب.

·   ولقد أجمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت, فإن الرجل ليُلقَّى الحكمة بطول صمته, وكثرة نظره وتأمله.

·   ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: » من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت«، وكان يقول: »من صمت نجا« ، ويقول : » اُملك عليك لسانك «.

·        وكان يقول: » ألا أُخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن: الصمتُ وحسنُ الخلق «.

·   سئل عيسى عليه السلام: » دُلنا على عمل ندخل به الجنــة, فقال: لا تنطِقوا أبداً, قالوا : لا نســتطيع ذلك , فقال: فلا تنطقوا إلا بخير «.

·   قال عبد الله بن مســعود رضي الله عنه: »والله الذي لا إله إلا هو ما شيءٌ أحوجَ إلى طول سجنٍ من اللسان«.

·   قال ابن عمر رضي الله عنهما: » أحقُ ما طهَّر العبد لسانه «, وقال الحسن: » ما عَقَلَ دينه من لم يحفظ لسانه «.

·        وقال أبو حيان التيمي: » ينبغي للرجل أن يكون أحفظ للسانه منه لموضع قدمه «.

·   وعلى هذا القانون كان حال السلف، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم إلا قليلاً, إن أعجبه شيء تبسَّم, وإن كرهَهُ ظهر ذلك على وجهه.

·        وكان أبو بكر رضي الله عنه كثيراً ما يأخــذ لسان نفســه ويقول : » هذا أوردني الموارد «، يعظ نفسَهُ.

·   خرج شداد بن أوس رضي الله عنه مع بعض أصحابه في سفر, فقال شداد لغلامه »ائتنا بالسفرة نعبث ببعض ما فيها, فقال له رجلٌ من القوم : ما سمعتُ منكَ كلمةً منذ صحبتُكَ أرى أن يكون فيها شيء إلا هذه, قال : صدقت ، ما تكلمتُ بكلمةٍ مذْ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أزِمُها وأخطِمُها إلا هذه, وأيم الله لا تذهـــب مني هكذا , فجعل يسـبح ويكبر ويحمد الله عز وجل «، يعني يكفِّر بالحسنات عنها.

·   وهذا الربيع بن خُثيم على طريقة السلف ، ذكر أنه ما تكلَّم منذ عشرين سنةً بكلام لا يصعد, أي لا يصعد إلى الله ، وكان لا يتكلم أبداً في أمور الدنيا.

·   وهذا خارجة بن مصعب يقول: » صحبت ابن عون ثنتي عشرة سنة ، فما رأيته تكلَّم بكلمة كتبها عليه الكرامُ الكاتبون «.

·        وكان بعض السلف يعدُّ كلامه عداً, وكان بعضهم يُحفظُ كلامهُ الذي تكلَّم به من الجمعة إلى الجمعة.

·        بل إن بعض السلف كان يتورع من ذكر الشعر ؛ مخافة أن يجده في صحيفته يوم القيامة.

·   جلس أحدهم في حلقة علمٍ يسمع ولا يتكلم لسنوات ، فقيل له: لمَ لا تتكلم ؟  فقال: أسكتُ فأسلمُ وأسمعُ فأعلم, يتمثَّلُ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: » رحم الله عبداً تكلَّم فغنم، أو سكتَ فسلم «.

·   لقد كان السلف يتمايزون بكثرة الصمت, فمن كان أكثرهم صمتاً كان أفضلهم, بل إن بعضهم يجلس في المجلس, فما تحدث الناس بأمر إلا كان أعلمهم به ، إلا أنه لا يتكلَّم, وإن الإنسان ليعجب من انطلاق الناس اليوم في الكلام في المجالس ، وعبر وسائل الإعلام ، يتكلم الصغير والكبير والمرأة والجاهل والعالم ، وإذا سألت أحدهم : لماذا تتكلم ؟ يقول : أقول رأيي.

·        أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ (.

^   ^   ^

·   يقول أبو الدرداء رضي الله عنه :  » تعلَّموا الصمت كما تعلَّموا الكلام ، فإن الصمت حلمٌ عظيم « ، ويقول: » انصف أذنيك من فيك ، فإنما جعل لك أُذُنان اثنتان وفمٌ واحد، لتسمع أكثر مما تقول« . وقال الحسن : » يا بن آدم بُسطت لك صحيفةٌ ، ووكِّل بك ملكان كريمان يكتبان عملك, فاعمل ما شئت فأكثر أو أقل«, قال مالك بن دينـار:  »يا بن آدم لو كُلِّفَ الناسُ الصحف لأقلوا الكلام «، يعني لو كُلِّفوا شراء صحائفهم لأقلُّوا الكلام لكثرة تكاليف صحائفهم.

·   أخي المسلم : إن لسان الإنسان قلم الملك, وريقه مداده, وكلامك ترجمان يعبر عما في ضميرك من خير أو شر، فانظر ماذا تُملي ؟

·        إنك على ردِّ ما لم تقل أقدر, وعلى ردِّ ما قلت أعجز فانتبه.