الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية العقلية للفتاة @ 52- تعويد الفتـاة على استخدام قدراتها العقلية


معلومات
تاريخ الإضافة: 3/7/1432
عدد القراء: 1292
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

تهدف التربية العقلية في التصور الإسلامي إلى تنمية ذكاء الفرد وقدرته على التأمل والتفكير والنظر والنقد، وتنمية قدرته على التخيل والتصور، مع تقوية ذاكرته وتدريبها على استرجاع المعلومات، والتعبير عنها بصورة صحيحة، إلى جانب تنمية القدرة على التحليل، وإدراك العلاقات بين المتغيرات المختلفة، والتمكُّن من ربط العلل بالمعلولات، والأسباب بالنتائج .

هذه العمليات الذهنية العليا التي تهدف إليها التربية العقلية لا تنمو من تلقاء نفسها؛ بل تحتاج – بصورة دائمة – إلى استخدام وممارسة وتدريب، فإنها بالمران تنمو وتقوى، وبالإهمال تضعف وتضمحل، ومن المعلوم أن قدرات الإنسان العقلية هائلة وكبيرة جداً، إلا أن غالب الناس لا يستخدمون إلا اليسير منها .

وفترة الشباب من عمر الفتاة تمتاز بالقدرة على التفكير المستقل، إلا أن موهبتها هذه تتنازعها ثلاثة مؤثرات فكرية خطيرة، إذا تمكنت الفتاة من تجاوزها بسلام، فقد كمل لها استخدام قدراتها العقلية على النهج الصحيح :

الأولى : إخضاع كل الأمور الدينية وغيرها على حدٍ سواء للقياس العقلي، وهذا التوجه عادة ما يفضي إلى الشك والتردد، فليس كل المسائل يمكن إخضاعها للعقل البشري, بحيث تكون القناعة العقلية شرطاً للاعتقاد والعمل : فهذا فساد في الفكر، وضيق في الأفق ؛ بل الأصل في المفهوم الإسلامي هو الخضوع لما ثبت عن الله – تعالى – ورسوله صلى الله عليه وسلم، دون إلغاء لوظيفة العقل في الفهم والإدراك، وليس في الرفض أو القبول : فإن الوحي لم يقدِّم ما جاء به من أصول العقيدة أخباراً مجردة ؛ بل قرنها بالأدلة العقلية المستقيمة ؛ وذلك لترسيخ الاعتقاد, فلا بأس من استخدام القناعات العقلية، والأدلة المنطقية بعد الإيمان القلبي المعتمد على النصوص الشرعية القاطعة والثابتة، فتحصل بهما معاً القناعة الكاملة التامة .

الثانية : تأثر الفتيات بالشعور والأسلوب في الأحكام أكثر من التأثر بالناحية العقلية المنطقية، وهذا يرجع عادة إلى غلبة العاطفة عندهن، ونهج التَّجهيل الذي تستخدمه بعض المجتمعات المنحرفة ليسهل عليها قيادهن وإغواؤهن، حتى أصبحن للأسف أكثر فئات المجتمع إيماناً بالخرافة، وبالتالي فهن – بالضرورة – أكثر الفئات تأثـراً بما تحدثه هذه الخرافات من الأوهام النفسية، والاضطرابات العقلية ؛ ولهذا فقد بنى الإسلام نهجه في التربية العقلية على تحرير العقل البشري من الخرافة, والظن، والتخمين، وأبدلها بالتَّبصُّر، والتعقُّل، والتَّفقُّه ؛ وقد أثبت البحث الميداني أن أكثر الفئات علماً وتحصيلاً دراسياً : هم أقل الفئات إيماناً بالخرافات والأوهام، فالعلم الصحيح الموافق للشرع، والتفكير الناضج المبني على النظر السليم: دائماً منجاة من الانحرافات العقلية، والضلالات الفكرية .

الثالثة : تركيز تفكير الفتيات حول الذات، بحيث يحكمن على المواقف المختلفة بدلالة تأثيرها عليهن، فتبقى الفتاة أسيرة الذات، محصورة التوجه، ضيقة الأفق، لا يعدو نظرها العقلي موقع بصرها، بحيث تختصر الوجود كله في ذاتها , وهذا خطأ في النظر؛ فإن نهج التربية العقلية في التصور الإسلامي ينطلق بفكر الإنسان إلى أفق أوسع وأرحب بكثير من مجرَّد الذات، بحيث يستوعب الإنسان في انطلاقته الفكرية كل متغيرات الحياة الدنيا التي يمكن أن يصل إليها جهده العقلي، كما يستوعب بخياله العقلي كل ما ثبت بالوحي خبرُهُ من الحياة الأخرى، فلا يبقى للذات القاصرة الفانية موقع تتضخَّم فيه ضمن هذين المجالين الواسعين للانطلاقة العقلية .

هذه المؤثرات الفكرية الثلاثة، لو تخلَّصت الفتاة من تأثيراتها السلبية عليها، وتجاوزتها بأمان، فإنها تستطيع أن تستخدم قدراتها العقلية التي وهبها الله – تعالى – بصورة أفضل، وتصل بها إلى أعلى المقامات التي قدرها الله تعالى لها .