الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ السيرة النبوية @ 9- أحداث ما بعد حجة الوداع


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1429
عدد القراء: 3149
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : بعد أن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نُسُكَهُ ، وأتمَّ حجَّهُ أمر أصحابه أن يودِّعوا البيت، ثم سار بهم إلى المدينة.

- وبعد أن استقر في المدينة أعدَّ العدة للروم، فجهَّز جيشاً قوياً ، وأمَّر عليهم الشاب أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

- وقد وجد بعض الناس من إمرته شيئاً، فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : « إنه لخليق بالإمارة »؛ يعني إنه أهل لها ، ثم أمره أن يسير على بركة الله.

- وبعد أن سار الجيش بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم مرض شديد ، وذلك حين حضر جنازة بالبقيع، وكان في ذلك اليوم عند زينب بنت جحش رضي الله عنها.

- ثم اشتدَّ مرضه عند ميمونة، فاستأذن زوجاتِهِ أن يمرَّض عند عائشة رضي الله عنها ، وكان أوَّلُ مرضه صداعاً شديداً، ثم أعقبته حُمَّى.

- ولما بلغ أسامة بن زيد رضي الله عنهما مرض الرسول صلى الله عليه وسلم أوقف الجيش، وظهر شيء من التمرُّد في بعض الأمصار ، وظهر بعض الكذَّابين، مثل: الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، وطليحة الأسدي يدَّعون النبوة ، ويتمرَّدون على الحق.

- وقد مرض الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يوماً ، كان يصلي بالناس عشرة أيام، أما باقي الأيام فلم يخرج لهم إلا قليلاً، وكان أبو بكر رضي الله عنه يصلي بهم نيابة عنه صلى الله عليه وسلم.

- خرج مرة مُسْنداً بين العباس وعلي رضي الله عنهما ، فصلى قاعداً ، وخرج مرة بعد أن صبُّوا عليه سبع قرب من ماء، فخطب الناس وصلى بهم الظهر.

- وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يستسمح الناس ويتحلَّلهم، ويقول : « من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي ».

- وألحَّ عليهم في ذلك، وأخبرهم : « أن عبداً خيَّره الله بين أن يُؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده فاختار ما عنده »، فبكى أبو بكر رضي الله عنه، واستغرب الناس بكاءه، وكان أعلمهم بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ إذ إن العبد المُخيَّر كان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- وفي يوم الأحد الحادي عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة أعتق الرسول صلى الله عليه وسلم غلمانه، وتصدَّق بسبعة دنانير كانت عنده ، ووهب أسلحته للمسلمين، ولم يترك شيئاً ذا بال.

- وفي صباح يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول فاجأ الرسول صلى الله عليه وسلم المصلين خلف أبي بكر رضي الله عنه في صلاة الفجر فكشف الستر الذي بينه وبينهم، حتى كادوا يفتنون برؤيته، وقد أشرق وجهه كأحسن ما يكون، وظهرت عليه الصحة، فأشار إليهم أن يُتمُّوا صلاتهم، ثم أرخى الستر ، فما رؤي بعدها حيَّاً.

- ودعا أهله فأوصاهم ، وأبلغ فاطمة رضي الله عنها أنها من خير نساء العالمين، وأنها أول أهله لحوقاً به، وأنه يموت في مرضه هذا.

- ولما اشتدَّ النهار من وقت الضحى نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينزل بالأموات، فأسندته عائشة رضي الله عنها إلى صدرها وهو يقول: « إن للموت لسكرات ».

- وعنده قدح من ماء يمسح بالماء وجهه كلما اشتد عليه كرب الموت، ودخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وفي يده سواك فنظر إليه ، فأخذته عائشة رضي الله عنها وليَّنته له فاستاك به كأحسن ما يكون، وأخذ يوصي، فأوصى بكتاب الله وبسنته، ويقول : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »، وأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وأوصى بالوفد خيراً، وآخر ما أوصى به الصلاة والمملوكين.

- وفي آخر لحظاته من الدنيا صلى الله عليه وسلم قال : « اللهم الرفيق الأعلى »، فعلمت عائشة رضي الله عنها أنه خُيِّر عليه الصلاة والسلام فاختار الموت ولقاء الله تعالى، ثم مال رأسُهُ تجاهها وخرجت من فمه الشريفة قطرة فعلمت أنه قد قضى إلى ربه، فوضعت رأسه على الوسادة وقامت تصيح وتبكي مع النساء، قد دخلها  الذهول والمفاجأة.

- ولما وصل خبر وفاته صلى الله عليه وسلم إلى الناس ذُهلوا وماجوا وطاشت عقولهم، واختلفوا في موته، فقائلٌ بموته، وقائلٌ بحياته.

- ورغم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ممن قال بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد نصر الله به ؛ إذ قمع به المنافقين الشامتين برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين حين نزلت بهم هذه المصيبة، فهدَّد من يقول بموته بالقتل.

- وفي هذه اللحظات العصيبة المحرجة يصل رجل الساعة، رجل الموقف  
أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فقد كان خارج المدينة عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- دخل أبو بكر رضي الله عنه على الرسول صلى الله عليه وسلم فأيقن بوفاته وقال: «طبت حياً وميتاً يا رسـول الله »، وخــرج على الناس ، فقرأ عليهم قوله تعالى : " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " .

- وقال: « من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت ».

- فرجع الناس إلى صوابهم وأيقنوا واحتسبوا هذه المصيبة عند الله تعالى.

- قال أنــس بن مالك رضي الله عنه : « ما رأيت يوماً قــط كان أحســن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ».

* * *

- أيها الإخوة : لقد أمضى الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعشرين عاماً من عمر الدنيا ختمها بالحج، غيَّر فيها وجه التاريخ، وعدَّل فيها مجرى الحياة، ولم يكن هذا لأحد قبله ، ولن يكون لأحد بعده.

- لقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من الدنيا وقد أكمل الله به الدين ، وأتم به النعمة، فقد أنزل الله عليه يوم عرفة: " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ".

- أيها المسلمون : من كان محباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأخذ بوصاياه ، فقد أوصى بكتاب الله وسنته، وحذَّر من الغلو في شخصه باتخاذ قبره عيداً.

- وأمر عليه الصلاة والسلام بتطهير الجزيرة العربية من اليهود والنصارى والمشركين؛ لتكون خالصة لأهل التوحيد.

- وأمر بالصلاة ورحمة العبيد من المملوكين، والإحسان إليهم.

- أيها المسلمون : لننظر في أحوالنا : أين هي مواقع هذه النصائح والوصايا النبوية في حياتنا اليوم؟ إن الواقع مؤلم والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.