الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الدعوية @ 1 – لماذا ينصرف الحائرون عن الإسلام ؟


معلومات
تاريخ الإضافة: 18/8/1429
عدد القراء: 819
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : إن الناظر المتأمل في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد أن الأخلاق تأتي مباشرة بعد العقيدة في المكانة والمنزلة.

- بل إن الأخلاق لتمتزج بالعقيدة حتى وكأنها جزء منها ، لا تنفك عنها، وكأنهما وجهان لعملة واحدة.

- كم دلَّ حُسْنُ الخُلُقِ ، واسْتِقامةُ السلوك : على سلامة الطوية ، وحسن المعتقد؟!

- وكم استدل الحائرون على صحة دين الإسلام بحسن خلق أهله، وكريم معشر دعاته، فأسلموا وآمنوا؟!

- وكم صدَّ سوء الخلق من الحائرين ، فلم يجدوا في سلوك المسلمين – للأسف – ما يدفعهم للإسلام والإيمان؟!

- ماذا يريد الحائر من دين ينادي أهله بالحق والعدل والخير، ثم هم بعد ذلك يأكل بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً؟!

- كيف يهتدي الحائر إلى دين ينادي أهله بالتوحيد الخالص ، ثم هم بعد ذلك يعكفون على القبور والأضرحة، يدعون أهلها من دون الله؟!

- كيف يقبل الحائر ديناً يزعم أهله وجوب العمل بالكتاب والسنة، ثم هم بعد ذلك قد أعرضوا عنهما إلى قوانين الحائرين وأنظمتهم؟!

- كيف يقبل الحائر ديناً يتقرب أهله إلى الله في أعيادهم بخمش وجوههم، وضرب صدورهم، وإسالة دمائهم؟!

- إن الحائرين من كفار هذا الزمان في حاجة إلى دين يشعرون في كنفه بسلامة ضمائرهم، وراحة قلوبهم.

- إنهم في حاجة مُلِحَّةٍ إلى دين ينزِّه الخالق العظيم عن نواقص المخلوقين وسقطاتهم وعيوبهم.

- إن التوحيد الخالص ، المُنَزَّه عن الشرك ، هو أعظم باب يلج منه الحائرون إلى دين الإسلام، يشعرون فيه بسكون النفس ، وراحة القلب.

- ثم يأتي بعده باب الأخلاق الفاضلة ، يفتح للحائرين منافذ جديدةً، وساحاتٍ رحبةً، من السلم والسلام المحلي والعالمي.

- لقد ملَّ الكفار أديانهم ، وأخذوا يتطلعون إلى الدين الحق، أين يجدونه ؟ لقد ملُّوا ما هم فيه من الباطل والزيف.

- لقد ملَّ النصارى أجراس كنائسهم ، وملَّ الوثنيون أصنامهم ، وملَّ المجوس نيرانهم ، وملَّ الهندوس أبقارهم فأين يذهبون؟

- إنهم إن لم يجدوا الدين الحق في الإسلام ، فإنهم كثيراً ما يتوجَّهون إلى الإلحاد، وإنكار الأديان كلِّها.

- فماذا عند المسلمين المعاصرين يقدِّمونه لهؤلاء الحائرين؟ ما الذي نُحْسِنُهُ فنُقَدِّمُهُ إليهم؟

- إنهم يتطلَّعون إلى جديد عندَنا ، يختلف تماماً عمَّا عندهم ، يتطلَّعون إلى خَلاصهم من حيرة العقول، وضيق النفوس، وعذاب القلوب.

- إنهم لا تستهويهم مدننا الحضارية ، ولا منشآتنا الشاهقة ، ولا جسورنا الممدودة، ولا شوارعنا العريضة.

- إنهم لا يهتمون بإنجازاتنا العلمية، ولا بأبحاثنا الميدانية ، ولا يُلْقون اهتماماً لآرائنا الشخصية.

- إنهم لا يثيرهم مُلَحِّنُنا البارع ، ولا مطربُنا المتفوق ، ولا ممثلتُنا الفاتنة، ولا حتى لاعبُنا الماهر.

- لقد تجاوَزَنا هؤلاء الحائرون في كلِّ هذا ، فلن نجاريهم في ميادين تفوقهم، فإنَّا لن نُقدِّم لهم فيها جديداً.

- وإنما الجديد الذي يمكن أن نقدِّمَهُ للحائرين، ونتفوَّقَ عليهم فيه، إنما هما العقيدة والأخلاق ، اللتان يفتقدانهما.

- إنهما الجيش الذي لا يُقهر ، والجند الذي لا يُهزم ، كم فتحنا بهما الحصون، وتجاوزنا بهما الخطوب؟!

- لقد دخل الناس في دين الله أفواجاً ، حينما رأوا العقيدة ترتفع بالنفوس، ورأوا الأخلاق تسمو بالسلوك.

- لقد استهوتهم إشراقة الإيمان على وجوه المسلمين ، وأسرهم كريمُ الخلق في سلوكهم وتعاملهم.

- لقد أثارهم الصدق والأمانة والإخلاصُ في تعامل المسلمين ، فلا غش ولا خداع ولا انتهازية.

- لقد أعجبَهم في سلوك المسلمين العفةُ، وارتفاعُهم عن الدنايا، وبعدهم عن سفاسِف الأخلاق.

- لقد أذهلهم ثباتُ أخلاق المسلمين ، في السراء والضراء ، وفي المنشط والمكره، لا يحيدون ولا ينكثون.

- لما أسرت قريش خُبَيْبَ بنَ عَدي الأنصاري رضي الله عنه ، سجنته في بيت أبناء الحارث بن عامر ، فلما عزموا على قتله طلب من إحدى بنات الحارث شفرة يستحدُّ بها ؛ ليستعدَّ للقاء ربه ، فأرسلت إليه بها، فإذا بغلام صغير لها يتسلَّل إلى خُبيب وهي غافلة عنه ، فما هي إلا ثوانٍ حتى رأت المرأة الطفل على فخذ خبيب ، فدُهشت وذهلت، وقالت في نفسها : لقد أدرك الرجل ثأره ، فلمَّا أحسَّ خبيبٌ بفزعها وذهولها، قال لها بكل اطمئنان: « أتخشين أن أقتله ؟ ما كنت لأفعل ذلك».

- فما هي إلا فترة قصيرة حتى أسلمت هذه المرأة وقالت: « والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل قِطْفاً من عنبٍ في يده، وإنه لموثقٌ بالحديد، وما بمكة من ثمرة، إنه لرزق رزقه الله خبيباً».

- أيها الإخوة : إنها أخلاق الإسلام ، حين امتزجت بالعقيدة والإيمان فأثمرت سلوكاً أشبه بالخيال .

* * *

- أيها الإخوة : لا يشك عاقلٌ أن المسلمين اليوم يعيشون في ذهول عن شخصيتهم الحقيقية، ويلبسون ثوباً لا يليق بهم.

- إنهم يحيون تيهاً حضارياً ، لم يُتقنوا فيه شيئاً ذا بال، وإنما هو التقليد السلبي الذي لا يبني شيئاً.

- إنهم يتعرَّضون في واقعهم المعاصر إلى ثورة عارمة عنيفة على عقيدتهم وأخلاقهم، لا يعرفون كيف يصدونها ، ويحافظون على أنفسهم.

- فمنهم من انهزم أمام هذه الثورة الأخلاقية الباطلة فغرق فيها ، ولم يبق معه من دينه إلا الأسماء.

- ومنهم من صمد أمامها ، واعتصم بدينه ، يقبض عليه قبضه على الجمر، ينتظر الفرج من ربه ، والخلاص منه سبحانه.

- ومنهم بين بين ، يسقط تارة ، ويُفيق تارة ، تتنازعه الشهوات والشبهات من جهة، وواعظ الإيمان والضمير من جهة أخرى.

- إن المسلمين اليوم في حاجة إلى ثورة أخلاقية مضادة ، تقابل الثورة الأخلاقية الفاسدة وتصادمُها.

- إنها ثورة تنبعُ من داخل النفس ، فتغيِّرُ ما فيها ، حتى ترى الحق حقاً فتعملَ به ، وترى الباطل باطلاً فتجتنبَهُ.

- إنها سنة الله في التغيير ، من الشر إلى الخير ، من الذل إلى العز، ومن الغفلة إلى اليقظة.

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ".

- " إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ".