15- فضل الصدقة وثوابها

- أيها المسلمون : من حكمة الله تعالى في خلقة أن وزَّع بينهم الأموال، فوسَّع على بعضهم وضيَّق على بعضهم، يختبرهم فيما آتاهم ، ويبتليهم بما حرمهم.

- فابتلى الغني بما آتاه من المال : أينفق أم يبخل، وابتلى الفقير بقلة ذات اليد: أيرضى ويصبر، أم يغضب ويضجر ؟

- وقد امتدح الله المنفقين في سبيله فقال: " الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " .

- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن الله كريم يحب الكرم ».

- وقال صلى الله عليه وسلم : «إن الله جوادٌ يحب الجودَ، ويحب معاليَ الأخلاق، ويكره سَفْسَافها ».

- وقال أيضاً: « الساعي على الأرملة والمسكين ، كالمجاهد في سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار ».

- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحقوق : « من أنظر معسراً ، أو وضع عنه: أظلَّه الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ».

- وقال صلى الله عليه وسلم في شأن بذل الكسوة والطعام والشراب: « أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عُري، كساه الله تعالى من خُضْر الجنة، وأيما مسلمٍ أطعم مسلماً على جوع، أطعمه الله تعالى يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأٍ ، سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم ».

- وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : « إن في الجنة غرفاً يُرَى ظاهرها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، أعدَّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام ».

- ولما سئل صلى الله عليه وسلم : « أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ».

- وقد وعد الله تعالى المنفقين بالخلف وعظيم الأجر، فقال: " مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ".

- ويقول أيضاً سبحانه وتعالى : " وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ".

- وفي الحديث القدسي : قال الله تعالى : « يا عبدي أنفق أُنفِق عليك » .

- وقد حذر الله تعالى من البخل والشح فقال : " وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ".

- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما : اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً».    

- أيها المسلمون : لما كان الكرم من الأخلاق المحبوبة إلى الله تعالى، التزم به الفضلاء والأولياء، حتى خالط نفوسهم وأرواحهم، وفي مقابل ذلك هجروا البخل والشُّح، وتخلَّصوا منهما، حتى إن أحدهم ليكرم المحتاج بثوبه الذي يلي جسده ولا يجد غيره ، ولا يرضى أن يتصف مرَّة واحدة بالبخل.

- فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله أحدهم بردةً كانت عليه، فيدفعها إليه دون تردد، ويقول لبلال: « أنفق بلالاً، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً».

- وهذا أبو الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم سُمِّي بأبي الضيفان لعظيم كرمه، وإحسانه لمن يدخل عليه.

- وهذا أبو بَكْر رضي الله عنه لا يدَّخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، أنفق ماله كلَّه، وأعتق المضطهدين، وستر المساكين، وأطعم الجائعين.

- وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه لا يترك باباً للنفقة إلا ولجه، في السلاح والطعام والدواب والماء، حتى وجبت له الجنة والمغفرة.

- وهذا جعفر بن أبي طَالِب رضي الله عنهما من كثرة نفقته وحبه للصدقة سُمِّي : أبا المساكين.

- وهذا ابن عمر رضي الله عنهما ما مات حتى أعتق ألف مملوك، وكان إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به، يتمثل قوله تعالى: " لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ".

- وهذا الحسن بن علي رضي الله عنهما ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعطي الرجل الواحد مائة ألف درهم.

- ولما سُئل : من الجَواد ؟ قال : « الذي لو كانت الدنيا له فأنفقها لرأى على نفسه بعد ذلك حقوقاً ».

* * *

- أيها المسلمون : يقول الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ".

- إن الله لا يقبل صدقة إلا من كسب طيب، فإذا كانت كذلك وقعت في يمين الرحمن ، فتربو في يده سبحانه حتى تكون أعظم من الجبل.

- وإن من القبيــح أن يتوجَّه الرجــل إلى الرديء من ماله، أو الخبيث من ممتلكاته: فيتصدق به ؛ فإن الله غني عن مثل هذا.

- كما أن من القبيح أن يمنَّ بصدقته على المسكين، ويظن أن له عليه فضلاً، فإن الفضل لله وحده.

- إن المسلمين اليوم في حاجة مُلِحَّة للصدقة والنفقات، فكم هو جميل أن يتعاون المسلمون فيما بينهم، كل حسب استطاعته.

- وإن من المُسَلَّمِ به أن المسلمين لو أخرجوا من أموالهم الواجب عليهم لانتهت أزمة المسلمين الاقتصادية في العالم ، إلا أن الواقع ينبئ بغير هذا.

- لقد غلب الشُّح على الأكثرين، فبخلوا بالواجب من النفقات، وأمسكوا عن المفروض من الزكوات : فوقع المحتاجون من المسلمين في حرج شديد.