2 – الإسلام بين الروحية والجسدية

- أيها المسلمون : خلق الله الإنسان مكوناً من شعبتين عظيمتين: شعبة الروح، وشعبة البدن.

- فأما البدن فهو مخلوق من تراب هذه الأرض، إذا مات تحلل فيها، واندمج معها.

- وأما الروح فهي من الملأ الأعلى، وهي سرُّ الله في الإنسان، لا يعلم حقيقتها إلا الله، ولولا الروح فإن الإنسان لا يعدو أن يكون حيواناً.

- وأما العلاقة بين الروح والبدن، فإن البدن بكل ما يحويه من النشاط والحيوية لا يعدو أن يكون مركوباً للروح، تمتطيه لتبلغ به الأجل الذي قدَّره الله لها، فإذا ماتت الروح لحقها البدن بالموت والفناء.

- كما أن الروح لا يمكن أن تحيا بغير بدن صالح قوي، يحملها إلى أجلها المقدَّر، فإذا هلك البدن هلكت معه الروح.

- ولهذا جاءت الشريعة المباركة بأهمية إصلاح الأبدان ، والسعي في سلامتها وعلاجها من الأمراض، وحمايتها من الآفات.

- وما ذلك إلا لتمكين البدن من القيام بالعبادات الدينية ، والواجبات الشرعية، وعمارة الأرض على منهج الله تعالى.

- وفي الحديث : « المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير».

- فالبدن القوي يمكِّن صاحبه من الصيام والقيام للصلاة، والحج والجهاد، والسعي في الأرض لطلب الرزق.

- فإذا تعطَّل البدن أو ضعف : تعطَّلت موارد النفس الروحية وذبُلت، فيقلُّ –بالتالي- القيام والصيام والذكر والتفكر.

- أيها المسلمون : إن هذا الفهم لأهميــة الصحة البدنية، وأهميتها للإنسان لا بد أن يبقى في حدوده الشرعية ، لا يزيد عليها.

- فلا يصح أن تطغى حاجات البدن على حاجات الروح، فالإنسان إنسان بروحه لا إنسان ببدنه.

- فما الفرق بين الإنسان والحيوان إلا بالروح؟! التي أعطته – بإذن الله – الفكر والتكليف والتطور والإنتاج.

- ولولا الروح لقبع الإنسان في جسديته حيواناً من الثدييات العليا، لا يزيد عن ذلك.

- أيها الإخوة : إذا تأسس هذا الفهم : فإن ديننا لا يُجيز تقديس الجسد، ورفع حاجاته فوق حاجات الروح.

- فلو تعارضت حاجات الروح مع حاجات البدن: قُدِّمت حاجات الروح على حاجات البدن ، مهما كان الأمر.

- فالموت في سبيل الله لا يعدو أن يكون تقديساً للروح على حساب البدن، يهلك البدن في سبيل إحياء الروح.

- " وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"، فرغم موت الأبدان فإن الأرواح حية ترزق.

- أيها الإخوة : إذا تقرر هذا : فإن التعمق الرياضي ، الذي تحياه البشرية المعاصرة، بكل مظاهره الفاحشة والمُسْرفة، لا يعدو أن يكون صورة من صور تقديس الجسد، والإعلاء من شأنه على حساب الروح.

- لقد أفحش الغربيون في تقديس الأجساد على طريقة أسلافهم من اليونان والرومان، الذين عبدوا الأجسام القوية وقدَّسوها.

- وما هذه التماثيل الفاحشة عند اليونان والرومان إلا تعبيراً واضحاً لعمق الغلو المادي الذي غرق فيه القوم.

- وها هم الغربيون – في هذا العصر - يُحيون هذا التقديس الجسدي، ويفرضونه على العالم من خلال الأولمبيات الدولية والمشاركات الرياضية العالمية.

- يفرضون أنظمتهم الرياضية على العالم، حتى إنهم يُلحُّون علينا بتكوين فرق رياضية نسائية تشارك في الأولمبيات الدولية.

- ونبقى نحن على خجل أمام العالم، مترددين بين قيمنا التي تمنع من مثل هذا، وبين مسايرة العولمة العالمية، ومشاركة العالم في أنشطته.

- أيها الإخوة : ما أكذبَ النتائج الرياضية في تعبيرها عن الحقيقة الواقعية، لقد فاز بكأس آسيا أذلُّ دولة في آسيا وهي العراق ، التي قد ضاعت منذ سنوات ، تعيش الاحتلال والفرقة، فما أكذب الكرة في تعبيرها عن الحقيقة.

- لقد انتعش العرب بفوز ساعة من الزمان على بعض دول شرق آسيا، ونسوا أنهم قد انهزموا اقتصادياً منذ أربعين عاماً بمنتجات اليابان وكوريا، وكأني بأحدهم يقول لصاحبه: «دع العرب يفرحوا ساعة، فلا نزال منتصرين عليهم بمنتجاتنا منذ زمن بعيد».

* * *

- أيها الإخوة : لقد أكثرنا وأسرفنا في موضوع الكرة، وكان المفروض أن تبقى هذه الرياضة في حدودها: ممارسة لتقوية الأبدان لا أكثر.

- لقد اكتفى غالبنا بالثقافة الرياضية دون الممارسة الواقعية للرياضة، وهذا فهم خاطئ للمسألة الرياضية.

- لقد أخذت منا الرياضة السلبية كثيراً من أوقاتنا وأموالنا، إضافة إلى أعصابنا وتفكيرنا وتوترنا ومناقشاتنا.

- نظرة عابرة إلى الجرائد المحلية تكشف حجم الصراع الثقافي السلبي في المسألة الرياضية.

- إن الاعتدال – أيها الإخوة – هو منهج الإسلام ، لا إفراط ولا تفريط، وسط بين هذا وذاك.

- فاتقوا الله أيها الناس، وقفوا عند حدود الله تعالى، ولا تسرفوا، ولا تغلوا.