الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العقلية @ 10- مؤسساتنا التعليمية وأزمة الإبداع


معلومات
تاريخ الإضافة: 16/8/1429
عدد القراء: 959
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها الإخوة : ومع نهاية العام الدراسي يتجدَّد في نفوسنا الأمل والفرح بنجاح أولادنا، وتفوقهم، وتخرجهم.

- فليس للأبوين همٌّ أكبر ولا أعظم من نجاح الأولاد وتخرجهم، ومن ثمَّ تعيينهم، وتأهيلهم للعمل والزواج والاستقلال.

- ومع ذلك تمتزج هذه الفرحة بألم عميق، وحزن شديد عند عقلاء المجتمع، وخبراء التربية والتعليم.

- يدفعهم إلى هذا الألم والحزن واقع حضاري متردٍ، ومستقبلٌ قادم مخوِّف، وواقع مضطرب، ومستقبل لا يبشر بخير كثير.

- إنه ليهول المراقبين حجم الإنفاق الكبير من : المال والوقت والجهد على التعليم، ويهولهم أكثر ضآلة النتائج المحبطة.

- فمع كل هذه الجهود المبذولة لإخراج الأمة من التيه الحضاري الذي ترزح فيه منذ عشرات السنين، فإن الأمة لا تزال تراوح مكانها.

- فما أن تتقدم خطوة إلى الأمام، فنبتهج لذلك، حتى تفاجئنا بخطوات إلى الوراء؛ فإذا بنا في ذيل ركب الحضارة المعاصرة.

- لقد ملكنا اليأس من خروجنا من أزماتنا الحضارية الخانقة، حتى أيقنا بعد تراكم الإحباطات أننا لا نحسن شيئاً.

- لقد أخفقنا في صناعة ملابسنا وطعامنا ومراكبنا وأدواتنا، لقد أخفقنا حتى في صناعة ألعابنا وتحفنا المنزلية.

- لو حاصرنا أعداؤنا اقتصادياً، فمنعوا عنا حاجاتنا، فماذا ترانا نصنع؟ كيف نأكل؟ وبماذا نستر عوراتنا في صلاتنا؟

- أين الخريجون من المؤسسات التعليمية والصناعية والعسكرية، ألم يتزوَّدوا بالمعرفة والمهارات اللازمة للنهضة الحضارية؟!

- أمن المعقول أن أبناءنا لا يحسنون شيئاً ؟ يتخرجون من هذه المؤسسات التعليمية كما دخلوا، ليس معهم من العلم والمهارات إلا يسير.

- أين المبدعون؟ أين الموهوبون؟ إن أحدنا يعيش دهراً طويلاً لا تكتحل عيناه بمبدع واحد، ينعقد الأمل عليه بعد الله تعالى.

- وإن وجد فينا مبدع أو موهوب: أحاطت به ظروف الإحباط من كل جانب، ورمقه الحاسدون من كل صوب، حتى ينسجم مع الركب ضمن باقي القطيع.

- وإن قدَّر الله للمبدع أن يتجاوز إحباطات مجتمعه، ويحافظ على إبداعه: استقطبته قوى الشر لتستثمر إبداعه في خارج وطنه، وربما ضدَّ أمته.

- فها هي آلاف العقول العربية والإسلامية المهاجرة من أوطانها إلى أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا، يبحثون عن ملاذ لهم من ظلم ذوي القربى.

- لقد ظلمهم الأقربون في أوطانهم، وضيقوا عليهم في عيشهم، حتى اضطروا إلى الرحيل إلى بلاد الكفار لينتجوا فيها ، ويحققوا شيئاً من آمالهم .

- حتى أصبحت بلاد المسـلمين – للأسـف – بلاد طـرد للإبداع والتفوق ، لا تنسجم إلا مع التخلُّف والتبعية والانحطاط.

- إن جمعاً من المتنفذين في بلاد المسلمين تلتقي أهدافهم مع أهداف أعداء الإسلام في إبقاء الأمة في تخلُّفها وتبعيتها.

- إنهم يقتاتون على أنقاض المسلمين، وعلى جراحهم وآلامهم، لا يُسعدهم أبداً أن يخرج المسلمون من أزماتهم.

- إنهم في كل مناسبة يقذفون بالعقبات في طريق نهضــة الأمة، واستقلالها، لا تتحقق مصالحهم إلا في تخلفها وتبعيتها.

- لقد سعى المبطلون لإقناع الأمة بواقعها المتردي، وضرورة السير في طريق الغرب، والتبعية له.

- مغفلين تاريخ الأمة الحضاري في زمن عافيتها، حين تعاملت مع الكون ومدخراته، وسخَّرته لمصالحها وحاجاتها.

- فكان الإبداع والتفوق هو عنوان الأمة في كل مناشط حياتها، حتى ذخرت كتب التراجم بألوف المبدعين والموهوبين.

- لقد تفوقت الأمة حين كانت مصطلحة مع ربها، فطوَّع لها الله كلَّ شيء في الكون ، وفتح لها خزائنه ، فانتفعت ونفعت.

- وحين خاصمت الأمة ربها، وأعرضت عن دينها: تنكَّر لها كلُّ شيء في الكون، وأغلقت دونها خزائنه : فضلَّت وذَلَّت.

- أعوذ بالله من الشــيطان الرجيـم : " وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ". 

* * *

- أيها المسلمون : إن الطالب في حاجة إلى المؤسسة التعليمية المتفوقة، التي يجد فيها ما ينمِّي عقله، ويزكِّي نفسه، ويستثمر طاقته.

- إنه في حاجة إلى المعلم المتخصص ، الصالح في نفسه المصلح لغيره، الذي يجد فيه دفء الأب، وفقه العالم.

- إنه في حاجة إلى المنهج المدرسي المشوِّق، الزاخر بالعلم والمعارف، الذي يفتِّق العقل، وينمي الفكر.

- إن الطالب في حاجة إلى الأسرة العضوية المستقرة، التي يجد فيها القدوة الأبوية الصالحة، ويشعر فيها بالأنس والأمان.

- إنه في حاجة إلى المجتمع الصالح النظيف، الذي يوجه طاقاته، ويحترم إبداعه، ويشجعه على التفوق.

- إن الطالب في حاجة إلى الإعلام الهادف المؤدِّب، الذي لا يُضيِّع وقته بالساقط الحقير، ولا يخدش حياءه بالصورة الفاضحة، ولا بالنغمة الفتانة.

- إنه في حاجة إلى إعلام يراعي حاجاته العلمية، فلا يشغله بالتافه من البرامج فضلاً عن المحرم منها.

- إن الطالب قبل هذا وبعده في حاجة إلى الإيمان الصادق الذي يعمر قلبه، ويزكي نفسه، وينوِّر وجهه.

- إنه في حاجة إلى الطاعات والحذر من المعاصي والمنكرات؛ فإن الطاعة تنير العقل، والمعصية تذهب بنوره، وتغلق منافذه.

- اللهم وفق أولادنا وبناتنا للعلم النافع والعمل الصالح، اللهم وفقهم للنجـاح والتفـوق ، وحبب إليهـم العلم حبهم للطعام والشراب والراحة يا رب العالمين.