الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية العقلية @ 9- شروط التفوق العلمي


معلومات
تاريخ الإضافة: 16/8/1429
عدد القراء: 1383
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها الإخوة : لا توجد أمة معاصرة أو بائدة لها من نصوص دينها ما يحث على العلم ويرفع مقام العلماء، وطلاب العلم كأمة الإسلام.

- لقد ربط الإسلام بين الدين والعلم برباط وثيق لا ينفصم، حتى جعل العلم فريضة على جميع المسلمين ، كلٌ بحسبه.

- وفي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، بمعنى أن الجهل ممنوع في ديننا، مذموم ومرفوض في شريعتنا.

- ليس شيء من ديننا أفضلَ من طلب العلم، والاستزادة منه، بعد قيام المسلم بأداء الفرائض والواجبات.

- يقول الله تعالى مؤدِّباً نبيه صلى الله عليه وسلم: " وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا "، لم يأمره بالزيادة من شيء إلا في العلم.

- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً ومتعلِّماً».   

- ويقول أيضاً: « لن يشبع المؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة».

- يقول الشعبي رحمه الله : « لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة حكمة: ما رأيت أن سفره ضاع ».

- ويقول سفيان الثوري رحمه الله : « ما من عمل أفضلُ من طلب العلم إذا صحَّت النية».

- ويقول الزهري رحمه الله : «ما عُبد الله بشيء أفضل من طلب العلم».

- ويقول الإمام الشافعي رحمه الله : «طلب العلم أفضل من صلاة النافلة».

- أيها المسلمون : إن ديناً يرفع مكانة العلم والعلماء إلى هذه المرتبة كيف يسوغ أن يكون أهله أكثر الناس تخلُّفاً وأمية في هذا العصر؟!

- إنه لا يصح بحالٍ أن يقبع جمع كبير من أبناء المسلمين في الجهل حتى بالقراءة والكتابة ، في الوقت الذي وصل فيه مماليك المسلمين وعبيدهم إلى أعلى درجات العلم والمعرفة في الزمن الأول.

- لقد استوعب العلم في القرون الثلاثة الأولى الأمة بأكملها ، حتى لم يعد في الأمة جاهل أو أمي، لقد كان العلم للجميع دون استثناء.

- لقد انطلق الناس في طلب العلم ومحو الأمية من مبدأ وجوب التعلُّم الذي فرضه الإسلام عليهم.

- وانطلق العلماء في تعليم الناس وتربيتهم من مبدأ وجوب التعليم، والنهي عن كتمان العلم عن طلابه.

- قال الله تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ".

- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «من سئل عن علم فكتمه: ألجم يوم القيامة بلجام من نار».

- لقد انطلق علماء الإسلام، لاسيما في القرون الأولى المفضَّلة: ليستوعبوا الحياة كلَّها بالعلم، من المهد إلى اللحد، ومن المحبرة إلى المقبرة، حتى خرج إلى الدنيا نوادر الدهر من أمثال الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رحمهم الله ورضي عنهم.

- لقد خرج هؤلاء العلماء وأمثالهم كثير كأغرب وأعجب ما صنعه الإسلام من العقول البشرية.

- لقد خرَّج الإسلام عجائب الدنيا من أمثال: البخاري ، والطبري ، والخطيب البغدادي ، وابن حزم ، والغزالي ، وابن الجوزي ، والنووي ، وابن قدامة، وابن تيمية ، والذهبي ، والسيوطي وغيرهم كثير.

- إن السِّر الذي خرَّج هؤلاء بين أيدينا، لا يزال غضاً طرياً صالحاً، إنه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

- ولكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا: هذا كتاب الله وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا، فلماذا لم يخرج في هذا العصر أمثال هؤلاء الماضين ؟

- أيها الإخوة : إن بلوغ القمة في العلم يتطلب شروطاً أربعة لابد منها :

- الشرط الأول : الإخلاص ، بأن يكون طلب العلم لوجه الله تعالى، لا رياء ولا سمعة، ولا مباهاة، ولا جدال.

- وفي الحديث: «من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلَّمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا: لم يجد عرف الجنة يوم القيامة».

- وأما الشرط الثاني : فهو إفراغ الوسع في طلب العلم، فليس عند طالب العلم شيء أغلى من العلم، لا الوقت، ولا المال، ولا الصحة.

- ولقد كان السلف لا يبخلون بشيء في طلب العلم؛ فقد فارقوا الأوطان، وهجروا الأهل والأصحاب، واختاروا الفقر على الغنى، والتعب على الراحة من أجل الحصول على العلم، فبلَّغهم الله مرادهم، فكانوا أئمة الدنيا بلا منازع.

- وأما الشرط الثالث: فهو تجنب المعاصي؛ فإنه لا مستقر للعلم في قلب قد مليء بحب الشهوات، وغرق في المنكرات ، وحُشي بالفتن.

- يقول بشر بن الحارث رحمه الله: « إن أردت أن تلقَّن العلم فلا تعص ».

-  وقال القاسم بن عبد الرحمن رحمه الله: « إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها ».

- وأما الشرط الرابع: فهو العمل بالعلم، فهو أهم الشروط وأعلاها، وعليه مدار القضية كلِّها : لماذا نتعلم؟

- إن ثمرة العلم العمل، ولا خير في علم لا يتبعه عمل، إنها الربط بين النظرية والتطبيق، وما فائدة النظرية بلا تطبيق؟

- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « العلم علمان: علم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلم على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم».

- وكان يقول: « سلوا الله علماً نافعاً، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع».

- يقـول أبو الدرداء رضي الله عنه : « لا تكـون عالماً حتى تكون بالعلم عاملاً ».

- اللهم ارزقنا العلم النافع والعمل الصالح.

* * *

- أيها المسلمون : حديث صحيح متفق عليه يرويه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، ليعرض كلُّ منا نفسه على هذا الحديث ، يقول الرسـول صلى الله عليه وسلم : « مثل ما بعثني اللهُ به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقيَّةٌ – يعني أرضاً طيبة – قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب – يعني لا تنبت الزرع – أمسكت الماء – يعني حفظت الماء للناس – فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفةً أخرى إنما هي قِيعانٌ، لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فَقُهَ في دين الله ، ونفعه ما بعثني الله به، فعَلِمَ وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى اللهِ الذي أرسلت به».

- فهنا قسَّم الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في موقفهم من العلم الذي أتى به إلى ثلاثة أصناف : صنف قبل هذا العلم، فعمل به بعد أن تعلَّمه، وصنف حفظوا هذا العلم، ونقلوه إلى الناس وعلَّموهم، وصنف لا علم ولا عمل ، نعوذ بالله من الخذلان.

- فانظر أخي في نفسك من أي الأصناف الثلاثة أنت؟