9– تيسير مؤونة الزواج

- أيها المسلمون : إن من أعظم الحلال الذي أباحه الله تعالى، وحث عليه، ورتَّب عليه الأجر والثواب هو النكاح.

- وقد أجمعت الأمة على إباحته واستحبابه، وأوجبوه على من اشتاقت إليه نفسُهُ، وهو قادر عليه.

- قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « أنكحوا فإني مكاثر بكم ».

- وقال أيضاً: « من أحب فطرتي فلْيَسْتَنَّ بسنتي، وإن من سنتي النكاح ».

- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم عن فضل الزواج في حفظ دين المسلم: «إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي».

- وحذر في الجانب الآخر من العزوبة فقال: «شراركم عزابُكم، وأراذلُ موتاكم عزابُكم».

- وما هذا التحذير من خطر العزوبة إلا لما فيها من الفتنة، ولاسيما في هذا الزمان الذي طغى فيه الفساد الخلقي.

- والناظر في واقع الشباب والشابات يستشعر النار الموقدة بينهم، وجنون الفتنة الجنسية ، مما يوجب تسهيل أمر النكاح.

- وقد حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على التيسير في مؤونة الزواج فقال : « أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة ».

- وقال صلى الله عليه وسلم: « خير النكاح أيسره ».

- وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : « خير الصداق أيسره ».

- وقال صلى الله عليه وسلم: « خيرهن أيسرهن صداقاً ».

- وقال أيضاً: « إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها».

- ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أحد أصحابه دفع مهراً عالياً قال: «لو كنتم تغرفون – يعني المال – من بطحان ما زدتم».

- وقال صلى الله عليه وسلم في حدِّ المهر: « لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقاً ملء يديه طعاماً كانت له حلالاً».

- وقد أجاز عليه الصلاة والسلام النعل يقدِّمه الرجل مهراً للمرأة، فقد قدَّم رجل في زمنه نعلين لامرأة ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة: « أرضيتِ من نفسكِ ومالِكِ بنعلين ؟ قالت : نعم » ، فأجاز نكاحها.   

- إن الهدف من تيسير أمر الزواج هو إقامة البيت المسلم، وحصول النسل، ودرء الفتنة عن العزاب.

- وهذا هو المقصود الأعظم من النكاح، وليس المقصود هو الرياء والسمعة بإقامة الولائم العظيمة، ودفع المهور الكبيرة، وتباهي النساء بملابسهن وزينتهن، وما يحصل من منكرات الأفراح، كلُّ ذلك لا دخل له في النكاح.

- إلا أن الواقع يشهد بأن النكاح في هذا الزمان لا يكاد يحصل إلا بارتكاب بعض المحظورات الشرعية، والتكاليف العالية.

- فالمهر الذي هو سبب ووسيلة للزواج ، والذي لم يأت فيه الشرع بقدر معين؛ فلم يضع حداً لأقلِّه ولا لأكثره : قد أصبح في هذا العصر عائقاً من عوائق الزواج، يقف في طريق الشباب.

- والوليمة التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم للتفريق بين النكاح والسفاح، وأمر فيها بما تيسر، أصبحت عائقاً آخر في طريق الزواج ؛ لما فيها من التكاليف الكبيرة.

- حتى إنك لتجد الفقير من الناس يتكلَّف؛ فيقيم وليمة لا تختلف كثيراً عن ولائم الأغنياء.

- ثم يجلس أحدهم سنوات يسدد ديونه، حتى يقع في نفسه بغض المرأة ، التي كانت سبباً في تكاليفه وإرهاقه.

- ولهذا يقول علي بن أبي طَالِب رضي الله عنه: «لا تغالوا في مهور النساء فتكون عداوة»، أي: تصبح المغالاة عداوة في نفس الرجل على المرأة.

- أيها الإخوة : إن الرجل قد يتزوج المرأة فلا يتوافقان، ويكون بينهما شقاق وتنافر ، وتتعسر الحياة بينهما، ويكون الطلاق هو الحل الوحيد : فلا يطلقها بل يعضلها، وتبقى معه على هَمٍّ وكرب، ويبقى معها على نكد وشر ؛ بسبب ما تكلفه في نكاحها من المهر والوليمة.

- لقد دخلت عائشة رضي الله عنها على سيد الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في بيته إلا قدح لبن، ومتاع لا يتجاوز خمسين درهماً.

- ودخلت فاطمة رضي الله عنها سيدة النساء على علي رضي الله عنه وليس لها من المتاع إلا جلد كبش ، وشيء يسير من المتاع، بل لم يكن لعلي بيت يسكنه، حتى تحول له أحد الأنصار عن بيته فدخل على زوجته، بعد أن مكث تسعة أشهر بين العقد والدخول.

- فرغم أزمة السكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنها لم تحل دون الزواج، حتى ذلك الرجل الذي زوجه النبي صلى الله عليه وسلم على ما كان معه من القرآن، ولم يكن يملك من الدنيا إلا إزاره الذي يستر عورته، ومع ذلك ذهب بزوجته بعد أن عقد له النبي صلى الله عليه وسلم.

- وإن المسلم ليتعجب من بعض الناس : لا يرضى بالعقد لابنته حتى يأتي الخاطب بكامل المهر ، ويجهِّز السكن، فإذا لم يفعل بقيا على الخطبة، يخرج معها، ويختلي بها، وربما وقع بينهما المحظور، ومع ذلك يتشدَّد في مهرها، ولا يبالي بعرضها.

- أعـوذ بالله من الشيطان الرجيـم: " وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ".

* * *

- أيها الإخوة : يقول الله تعالى: " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...".

- إنها صفة من صفات المؤمنين : يتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، أيها الإخوة ، لنتساءل: ماذا يجري في أعراسنا؟

- أليس هو التبرج والسفور، وكشف العورات، والغناء الفاحش، وتأخير الصلاة عن وقتها وربما تركها، وإدخال الرجال على النساء؟ أين الرجال من سفهاء النساء؟

- تجد الرجل العاقل الحصيف ، المعروف بين الناس بحزمه وحكمته ، فما أن يدخل في أمر النكاح حتى يترك زمامه للنساء ، يتلاعبن به.

- حتى إنك لتتعجَّب كيف يتخلى عن شخصيته ، ليتحول إلى عبد طائع منفِّذ للأوامر ، قد تجرَّد من الالتزامات الشرعية ، والأخلاق الاجتماعية، ليس له همٌ إلا إرضاء النساء.

- والله تعالى يقول : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ".