7– سنَّة الزواج في الإسلام

- أيها المسلمون : نظام الزوجية سُنَّةٌ عامةٌ من سُنَنِ الله تعالى في الخلق والتكوين، تنتظم الإنسان والحيوان والنبات.

- كما قال الله تعالى: " وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ".

- والتزاوج هو الأسلوب الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر، واستمرار الحياة.

- كما قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ... ".

- ولما كان الإنسان مخلوقاً مكلفاً : جعل الله نظام تزاوجه شريعةً محكمةً، ونظاماً اجتماعياً مُلزماً للناس.

- ولولا الشريعة لكان التزاوج البشري صورةً من صور التزاوج الحيواني، بل ربما كان أشدَّ منه ضلالاً وضياعاً.

- إن الغرائز الإنسانية إذا لم تضبطها شريعة مُلزمة : انطلق الناس في إشباع رغباتهم بلا قيود ولا حدود.

- مما ينتج عنه فوضى الشهوات المسعورة، التي تنتهي بالبشرية إلى الهلاك والدمار العام.

- فكل غريزة مركبة في الإنسان تحتاج إلى إشباع، وليس لهذا الإشباع عند الإنسان حدٌّ يقف عنده إذا لم يضبطه ضابط شرعي ملزم.

- فغريزة حبِّ التملك إذا لم تنضبط بضابط الشرع ؛ فإنها تذهب منطلقة للاستحواذ على كلِّ شيء، فلا تشبع أبداً.

- وكذلك الغريزة الجنسية إذا لم تنضبط بضـابط الشرع ؛ فإنها تنطلق مسعورة لا تشبع ؛ فتقع في حلال وحرام.

- وها هي فوضى الجنس تعمُّ الحياة الإنسانية المعاصرة بظلالها المقيتة، ومظاهرها المخزية، في صور يترفع عنها الحيوان.

- لقد انطلق كثير من الناس في المجتمعات المعاصرة نحو إشباع غرائزهم الجنسية فلم يصلوا إلى حدِّ الإشباع؛ وإنما ينتقلون من سعار إلى سعار.

- لم تشبع رغباتهم المسعورة من فروج النساء، ولا من أدبار الرجال، حتى فتكوا بالحيوان، يبحثون عما يشبعُ سُعارهم.

- وصدق الله العظيم إذ يقول: " وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ".

- أيها المسلمون : لقد شرع الله تعالى لنا النكاح، وأذن لنا في الــزواج فقال: " فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ".

- وقال تعالى أيضـــاً : " وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ".

- وقد سنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته المباركة التزوُّج، فتزوج صلى الله عليه وسلم وتسرى.

- وكان يقول: « النكاح سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة».

- أيها الإخوة : ولما كانت المرأة بطبيعتها الفطرية في حاجة إلى من يرعى شؤونها، وينظر لها، ويحميها، ويتلطف بها : أوجب الله لها: الولي والشهود والمهر.

- فأما الولي فإنه ليضبط حق المرأة، وليختار لها الكفء، ثم يعرض عليها لتختار لنفسها.

- وفي الحديث: قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « أيما امرأة نكحت بغير إذن وليِّها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل ».

- وأما الشهود فحتى يخرج النكاح عن السر، إضافة إلى سماعهم الشروط لضبط الحقوق بين الزوجين.

- وفي الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل».

- وأما المهر فإنه من حقوق المرأة، ومن مظاهر التلطُّف بها، فلا يحل له أن يدخل بها حتى يقدِّم لها شيئاً ولو يسيراً.

- كما قال تعالى: " وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً "، يعني: هدية وعطية، بطيب نفس من الرجال.

- أيها المسلمون : إذا حضر الولي والشاهدان، وقُدِّم المهر ولو يسيراً، ووافقت المرأة: فهذا هو النكاح الإسلامي، وما زاد على ذلك فإنما هي شكليات وتوابع يقوم بها المسلم على ما يتيسر كالوليمة، والدف، والتوسع في الأفراح والمساكن والفرش.

- والناظر في أحوالنا الاجتماعية يجد أننا تشدَّدنا وتوسعنا فيما جاءت الشريعة بالتيسير فيه، مما هو تابع وليس بأصيل.

- حتى إن الرجل ليتكلَّف لزواج ولده أو ابنته فوق طاقته، يبيع ما فوقه وما تحته ليظهر أمام الناس بما يظن أنه لائق به.

- ولقد رأينا في المجتمع من لا يملك بيتاً يسكنه، ومع ذلك ينفق في عرس ولده أو ابنته كما ينفق الأغنياء، لا تكاد تفرق بينهم.

- ثم يمكث بعد ذلك زمناً طويلاً يسدد ما عليه من ديون، وربما توسع في الوليمة فإذا أراد شراء الأثاث عجز عن ذلك.

- وأعجب من ذلك أن تجد الرجل الفقير، الذي يعيش على حسنة المحسنين يتوسع في أمر النكاح كحال الأغنياء أو قريباً منهم!

- لقد زوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على نعلين، وزوج ابنته فاطمة رضي الله عنها بدرع، وجاءه رجل لا يملك إلا إزاراً يستر عورته ، فزوَّجه على ما كان معه من القرآن ، ثم أذن له فذهب بالمرأة ، أين تراه ذهب بهـا ، وهو لا يملك من الدنيا إلا إزاراً يستر عورته ؟!

- إن المقصود من كل هذه التدابير النبوية هو حصول النكاح ، وتحقيق العفة، وليس هو الشكليات والرياء والسمعة التي غرق فيها كثير من الناس.

* * *

- أيها الإخوة : لقد شرع الله تعالى المهر والوليمة والدف ونحوها لتكون سبباً لحصول النكاح، وليست لتكون عوائق تحول دون النكاح.

- ولقد اتفقت كلمة العقلاء في هذا العصر على أن تكاليف الزواج تقف حائلاً دون إتمام الزواج ، وحصول الإعفاف والسكن.

- يمكث الشاب بعد بلوغه، عشر سنوات ينتظر الزواج، ومنهم من يمكث خمسة عشر عاماً، ومنهم من يزيد على ذلك.

- وتقعد الفتيات في البيوت ينتظرن الشباب حتى يتأهلوا، فتقعد إحداهن عند أهلها حتى يملُّوا منها.

- شباب متعطش مفتون، وفتيات مشتعلات مفتونات، فلا تسأل عما يجري بين الفريقين من التجاذب والتغازل والفساد.

- حتى إنك لتشعر وكأنك تعيش ثورة شهوانية بين الفتيان والفتيات، عبر الجوالات، وشبكات الإنترنت ، وفي الشوارع والأسواق.

- تخرج إحداهن إلى السوق بزيٍّ فاضح، وحركات غريبة، وكأنها تقول للشباب : خذوني واذهبوا بي.

- وترى الشاب على الطريق ينظر إلى الفتيات، وقد امتلأ بالشهوة، لا يبالي بمن حوله من الناس ، ولا يستحي من نظرهم إليه ، وكأنه ذئب بشري.

- ثم ماذا بعد ذلك ؟ اتصال من الهيئة: أنت فلان؟ تعالَ واستلم ابنتك من مكتب الهيئة.

- يأتي الأب في آخر الليل متعباً، فتصارحه الأم: ابنتك خرجت إلى الجامعة منذ الصباح ولم تعد حتى الآن.

- البنت البكر تشكو آلاماً في معدتها ، وتستفرغ كلَّ ما يقع في بطنها، يذهب بها أبوها إلى الطبيب، مبروك، ابنتك حامل.

- قصص كثيرة يعج بها واقعنا، ليس لها تفسير إلا أنها الفطرة ، التي لا يمكن أن يقف في وجههـا شيء من العـادات ، ولا التقاليــد ، ولا الدراسة ، ولا المهر ، ولا الوليمة ، ولا فرش المنزل .

- إن حاجة الجنسين إلى بعضهما البعض حاجة فطرية مُلِحَّةٌ، لا تقبل التأجيل، فإما أن يلتقيا بالحلال، وإما أن يلتقيا بالحرام، وليختر المجتمع ما بدا له، الحلال مع التيسير، أو الحرام مع التعسير.