3– المرأة والعمل السياسي

- أيها المسلمون : في خضم المغالطات التي تعيشها الأمة في هذا الزمن: يُريد بعض الناس أن يجعلوا من المرأة رجلاً.

- يريدون من المرأة أن تقوم بما يقوم به الرجل، فلا فرق بينهما – في زعمهم – إلا في بعض المظاهر الجسمية الطفيفة.

- يريدون من المرأة أن تتجرَّد مما هي به أنثى؛ حتى تجاري الرجال في ميادينهم، وتنافسهم في أنشطتهم.

- وبالفعل فقد تم للمبطلين معظم ما أرادوا، حين دخلت المرأة في كلِّ ميادين الرجال ، ابتداءً من رئاسة الدول ، وانتهاءً بالعمل في المناجم وصناعة الكهرباء والبترول.

- فقد رأينا في عصرنا هذا المرأة السياسية، والمرأة الجندية، والمرأة الخادمة في الفندق والملهى، والمرأة التي تحفر الطريق، والتي تزفلت الشارع ، وتصون المركبات.

- كيف تستطيع المرأة أن تجمع بكفاءة بين هذه الأعمال الشاقة، وبين أن تكون زوجة وأمَّاً وراعية في أسرتها.

- فلو أمكن للمرأة أن تجمع بكفاءة بين هذه الأعمال الخارجية ، وبين أعمال الأمومة والإنجاب والرعاية، فما الداعي إذاً لوجود الرجل في الحياة؟!

- ما هي الحكمة من وجود الرجل في هذه الحياة، إذا كانت المرأة تستطيع أن تقوم بعمله؟! فلا داعي حينئذٍ لجنس الرجال أصلاً.

- لقد استقر في الفطرة أن الرجل مهما حاول لا يستطيع أن يقوم بكل أعمال المرأة، فكيف تستطيع هي بكل ضعفها ، ومحدودية قدراتها : أن تقوم بكل أعمال الرجل ؟

- إنها مغالطات تخالف العقل والحسَّ، يريد أصحابها منا أن نكذِّب بالحقائق الفطرية، وبالمشاهدات الواقعية المتواترة.

- أيها المسلمون : لو أراد الله من الجنسين عملاً واحداً لخلقهما جنساً واحداً، ولكنه بحكمته أراد من كلِّ منهما عملاً مغايراً للآخر ؛ حتى يُكمِّل بعضهم بعضاً ، ويتمِّم بعضهم بعضاً.

- لم يكن عالمنا الإسلامي والعربي بعيداً عن هذه المغالطات الشاذة، فقد تبناها جمع كبير من المثقفين والمفكرين العرب والمسلمين للأسف.

- وها هم يدفعون المرأة نحو العمل السياسي زاعمين أنه يجوز لها أن تكون قاضية، ووزيرة، وأميرة، ورئيسة للدولة.

- وإن الإنسان العاقل ليتعجب متسائلاً : إذا كان غالب الرجال لا يصلحون لهذه الأعمال، فكيف تصلح لها النساء؟!

- إن الشريعة الإسلامية لا تستحب ابتداءً الاستشراف للعمل السياسي، وتبغض الحريص على الولايات العامة.

-  ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « إنا لا نولي هذا الأمر من سأله ولا من حرص عليه » ، يعني: أن العمل السياسي ليس حقاً لكل أحد يطالب به ، فلو كان حقاً لم يسقط بالمطالبة ؛ فإن الحقوق في الشريعة تتأكد بالمطالبة ولا تسقط بها.       

- من الأدلة القاطعة على أنه ليس للمرأة مكان في العمل السياسي كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يولِّ امرأة عملاً سياسياً ، بل ولم تكتب له امرأة الوحي، أو حتى رسالة من رسائله إلى الملوك ، رغم وجود نساء كاتبات في ذلك العصر.

- وأما مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء فهي بيعة إيمانية أخلاقية، وليست بيعة على تولية الرسول صلى الله عليه وسلم القيادة السياسية، فسلطته على الناس يستمدها من النبوة وليس من البيعة.

- ولهذا لم يبايع الخلفاء من بعده النساء، وقد أجمع المسلمون أنه لا يجب على الحاكم مبايعة النساء بطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلو كانت واجبة ، أو حتى سنة لما تركها الخلفاء من بعده.

- وأما مشورة أم سلمة رضي الله عنها للرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية عندما تباطأ الصحابة في الحَلْقِ حين أحصروا ، فهو موقف تشريع وليس موقفاً سياسياً.

- والسؤال الذي يطرح نفسه : إذا لم تشر أم سلمة رضي الله عنها على الرسول صلى الله عليه وسلم بالحلق ، ماذا كان يحدث ؟ أليس الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يحلق بكل حال ، سواء أخذ بمشورتها أو لم يأخذ بها ؛ لكون الحلق واجباً في هذه الحالة ؟

- يقول الإمام الجويني رحمه الله : « لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة » ، ومع ذلك قارن بين مشورتها ومشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه ، حين أشار بحفر الخندق ؛ فقد توقف مصير الأمة على مشورته.

- ولقد وقف المسلمون نفس الموقف عام حجة الوداع ، حين أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يحلقوا ويجعلوها عمرة لمن لم يسق منهم الهدي.

- فتباطأ الصحابة في تنفيذ الأمر ، وغضب الرسول صلى الله عليه وسلم ودخل هذه المرة على عائشة رضي الله عنها ، ثم حلق الصحابة بعد ذلك ، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لم يحلق ، فما كانوا ليعصوه.

- وأما كون المرأة تنتخب الرجل وتزكيه فهذا غريب ، فهذه كتب الجرح والتعديل ليس فيها قول لأي امرأة عبر التاريخ الإسلامي.

- وأما خبر عائشة رضي الله عنها حين خرجت للإصلاح السياسي فيكفي أنها كانت سبباً في أول اصطدام مسلح بين المسلمين ، لا تزال الأمة تعاني آثاره حتى الآن.

- وقد تواترت عنها الأخبار بالندم على هذا الخروج ، وكانت تقول: «وددت أني كنت غصناً رطباً ولم أسر مسيري هذا».

- وأما قول بعضهم أن عمر رضي الله عنه ولَّى امرأة السوق، فهذا لا يصح من جهة السند، والمعروف أن هذه المرأة هي الشفاء رضي الله عنها كانت تسكن في السوق ، وكان عمر رضي الله عنها إذا دخل السوق جلس عندها ، فلا يبعد أن تخبره بأشياء عن السوق ، وهذا ليس بولاية.

- ثم أليس من العيب في حق عمر رضي الله عنه أن يولي امرأة لا يُعرف عنها العلم على أهل بدر والحديبية، وعنده كبار تجار المدينة ، كيف يتركه الصحابة يصنع هذا ، وقد أنكروا عليه مجرَّد إدخال ابن عباس رضي الله عنهما مجلس الشورى ، ثم كيف يختارها وعنده من هو أفضل منها: عائشة رضي الله عنها ؟!!

- وأما خبر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، حين وقع عليه الاختيار بين عثمان وعلي رضي الله عنهما في كونه استشار النساء ، فهذا الخبر لا يصح من جهة السند ، وإنما تنقله كتب التاريخ ، وقد نقلت بعض كتب التاريخ أنه استشار الولدان في الكتَّاب ، فهل يسوغ سؤال الأطفال في مثل هذا الشأن الجليل ؟!

- وأما ما حدث فيما بعد من تولِّي بعض النساء للولاية الكبرى في التاريخ الإسلامي ، فهذا شذوذ في الحياة الإنسانية، ولم يثبت قط أن كان الهيكل السياسي في أي بلد نسائي 100%، وإنما تكون المرأة فيه مشاركة أو رئيسة، والباقي من الرجال، فإن الطفل لو حفَّه العلماء والسَّاسة والمفكرون من حوله لأحسن السياسة وأتقنها.

- أيها المسلمون : أين العقلاء؟ إن الله لم يبعث امرأة رسولاً ولا نبياً، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر المرأة بالمكوث في البيت، وإذا خرجت أن تلتزم بحافة الطريق، وأن تستتر عن الرجال، وأن لا تخرج إلا بإذن زوجها، ولا تسافر إلا مع محرم لها، وأسقط عنها الجمعة والجماعة والجنائز، أمن المعقول بعد هذا أن يجيز لها الإسلام أن تكون رئيسة دولة أو وزيرة أو قاضية ، تترأس الناس، وتتوسط المجالس ، إن هذا لا يمكن أن يكون أبداً .

- تمكث المرأة الأيام والليالي لا تصوم ولا تصلي ولا تدخل المسجد ، ولم يجعل لها الإسلام ولاية على زوجها ، فكيف يجيز لها الولاية عليه وعلى باقي الرجال في الحياة العامة.

* * *

- أيها المسلمون : ألا يكفي المؤمنين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة » ، ألا يكفيهم ذلك في كفِّ النساء عن العمل السياسي ؟

- أليس لنا في الهدهد عبرة حين قال متعجِّباً: " إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ"، لو أنه وجد عليهم رجلاً ، أتراه يقول : « إني وجدت رجلاً يَمْلكُهُم »؟

-  وجاء لفظ : « امرأة » نكرة غير معرَّفة؛ وهذا لما فيه من تحقير الرجال الذين تملكهم امرأة.

- إن واجب المرأة السياسي هو الاهتمام بأمر المسلمين، ومعرفة أخبارهم، والكتابة في ذلك، والتبرع، وتقديم الزوج والولد عند الحاجة، والنفس عند الضرورة.

- إن مذهب عائشة رضي الله عنها فيما استقرت عليه ، وأم سلمة رضي الله عنها ، هو المذهب الراجح للمرأة المسلمة المعاصرة ، هو تتبع الأخبار دون بروز عام للحياة السياسية.

- ولولي الأمر المسلم استشارة النساء العاقلات فيما يخصهن مما لا يطَّلع عليه الرجال.

- وللمرأة المسلمة العبرة في خبر زبيدة زوجة الرشيد ، حين عرفت حدودها باعتبارها امرأة ، وعرفت أيضاً أين تضع جهدها السياسي.

- فحين قُتل ولدهـا الأمـين : جاء بعض الخدم وقالوا لها: اخرجي واطلبي بدمه ، فقالت : « اخسأ لا أمَّ لك ، ما للنساء طلب الدماء ».

- ولكنها لما غضب الرشيد على محمد بن الحسن الشيباني ومنعه الفتوى، توسَّطت عند الرشيد وأعادت له اعتباره.

- تعرف – وهي المرأة العاقلة - أين تضع جهادها السياسي .