1- خطر التناقض الاجتماعي على التربية

- أيها المسلمون : يتفق الناس على أهمية القدوة في التربية، وضرورتها في العملية التربوية ، في : البيت والمدرسة والمجتمع.

- فالطفل النامي في حاجة إلى القدوة في والديه وفي معلِّميه وأقربائه، وفي كلِّ من يحْتَكُّ به في المجتمع.

- فهو شديد التأثر بمن حوله، يتشرَّب سلوكهم، ويتقمَّص شخصياتهم، ويحاكي طريقتهم في الحياة.

- حتى إن الطفل لينطبع بطابع المجتمع من حوله، فما يلبث طويلاً حتى يصبح واحداً من أفراد المجتمع.

- يشبههم في سلوكهم وأخلاقهم وأفكارهم ، كما يشبههم في لغتهم ولباسهم وأشكالهم ، والإنسان كما قيل : ابن بيئته.

- وإلى هذا الحد يتفق الجميع ولا يختلفون، يقرُّون بأهمية القدوة وتأثيرها في الإنسان.

- إلا أنهم حين لا يجدون أثرهم التربوي الصالح في أبنائهم وتلاميذهم: يتعجَّبون ويستنكرون.

- يزعمون أنهم قاموا بأدوارهم التربوية خير قيام، ومع ذلك لم يجدوا الأثر المطلوب في النشء.

- فبدلاً من أن يرجعوا باللائمة على أنفسهم وعلى مجتمعهم، يلقون بها على القضاء والقدر.

- فهم حسب زعمهم قد قاموا بما أوجبه الله عليهم، ولكن الله أراد غير ذلك، فلا دخل لهم في ضلال أولادهم وتلاميذهم.

- وكأنهم يقولون: إن الإنسان لا مشيئة له، سواء قام بواجبه التربوي أو لم يقم به، فإن ما أراده الله حاصل لا محالة.

- إنهم بهذا الفهم القاصر للقضاء والقدر يهدمون جانب التكليف الذي أمرنا الله تعالى به إذ يقول: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ....".

- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ".

- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم : « يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان : ما لك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه».

- هذه هي الحقيقة الشرعية التي أمرنا الله بالقيام بها، أن يكون سلوكُنا صادقاً، ومطابقاً لأقوالنا ونداءاتنا.

- إلا أن هذه الأزمة التي غرق فيها أكثر المربين، أنهم اكتفوا بالكلام دون الأفعال، وبالرسوم دون الحقائق.

- أيها الإخوة : لقد تزوج كثير من الناس، وأنجبوا الأبناء والبنات : ثم اتَّضح أنهم لا يصلحون للرعاية ولا للتربية.

- ودخل جمع كبير من الناس سلك التربية والتعليم ، فإذا بهم لا يصلحون لتربية ولا لتعليم.

- وكم من أنـاس تقلَّـدوا مناصـب التوجيـه والإرشـاد ، ثم هم بعـد ذلك لا يصلحون لشيء من التوجيه ولا الإرشاد .

- لقد ظنَّ بعضهم أن مقام الشخص أو منصبه يعطيه دوره التربوي.

- فظنُّوا أن الأب ما دام أنه أب فلا بد أن يُطيعه أبناؤه، ويمتثلون أوامره ، حتى وإن لم يكن قدوة صالحة لهم.

- وظنُّوا أن المعلم ما دام أنه معلم فلا بد أن يمتثل التلاميذ بتوجيهاته، حتى وإن لم يمتثل هو بهذه التوجيهات في سلوكه الواقعي.

- فإذا بالواقع المشهود يكذِّب الجميع، فلا الأبناء أطاعوا الآباء، ولا التلاميذ انصاعوا للمعلمين.

- إن الأبناء والتلاميذ يقولون بلسان الحال: « إنا لا نطيع إلا من كان قدوة صادقة صالحة في نفسه ».

- لقد وضعنا هؤلاء الصغار على المَحَكِّ التربوي الفاضح ، شئنا أم أبينا، أحببنا ذلك أو كرهنا.

- أيها المسلمون : لقد مرَّ على الحياة الإنسانية نماذج عظيمة للقدوة من الأنبياء والعلماء والفضلاء، ومع ذلك لم يؤثروا في جميع الناس.

- بل إن النبي القدوة ، المؤيَّد من السماء يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان، وربما جاء بعضهم وليس معه أحد.

- فإذا كانت القدوة الكاملة، بكل ما تحمله من الجمال والبهاء : تفقد في بعض الأحيان تأثيرها في الناس أو يضعف، فكيف إذا تخلَّفت القدوة وضعفت في نفسها ؟

- أيها الإخوة : إن النشء في حاجة إلى أن يرى معتقداتنا ومبادئنا مطبَّقة في واقع حياتنا، وليس في خيال زائف لا حقيقة له.

- إن النشء في حاجة إلى أن يعيش الأخلاق التي تعلَّمها في المنهج المدرسي في الواقع الذي يعيشه في المجتمع.

- لقد صُكَّتْ آذان أبنائنا وتلاميذنا من كثرة كلامنا ووعظنا، دون أن يعيشوا الجانب التطبيقي العملي للقدوة التربوية الصالحة.

- إنها مصيبة كبيرة حين يفقد النشء الجديد القدوة الصالحة في المربين، من الآباء والمعلمين ، فلا يجدون النماذج السلوكية التي تترجم الأقوال إلى أفعال.

- أيها الإخوة : ليستقر في أذهاننا : أن النص من القرآن أو السنة لا يؤثر وحده في النشء ، حتى تحمله إليهم القدوة الصالحة بالأسلوب الصحيح في سلوك عملي واقعي، وما لم يتحقق ذلك من المربين فلن ينصاع النشء للنصوص وحدها ، إلا أن يشاء الله تعالى.

* * *

- أيها الإخوة : لا يُعرف عصر انتشرت فيه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة كعصرنا هذا، ولا يُعرف – أيضاً – عصر ضعف فيه تأثير النصوص الشرعية في الناس كعصرنا هذا، وما ذاك إلا حين جاء النص مجرداً عن القدوة العملية، منفصلاً عنها.

- وكم شاهد النشء في المجتمع وعلى وسائل الإعلام أناساً لا خلاق لهم يلوكون النصوص الشرعية، ويستشهدون بها على قبيح صنيعهم، حتى غدت النصوص الشرعية مطية الفساق إلى مقاصدهم الخبيثة.

- يؤولون القرآن على غير تأويله، ويضعون الحديث في غير مواضعه.

- أيها الإخوة : ماذا نقول للنشء الجديد وهو يشاهد تناقضاتنا الأخلاقية والسلوكية في المجتمع ؟ كيف نستطيع أن نخرج من إحراجنا هذا ؟

- إن أبناء المسلمين يشاهدون على الشاشة الصغيرة صورة الكعبة المشرفة، ويشاهدون معها – أيضاً – صورة المغنية المائعة، وصورة الممثلة الماجنة، والمغني الفاتن، والمسلسلة القبيحة.

- ويسمعون في الإذاعات القرآن الكريم، ويسمعون معها الأغاني الهابطة، والنغمات الساقطة.

- ويشاهدون في الأسواق المصاحف وكتب السنة، وإلى جانبها المجلات الخليعة والهابطة ، والقصص الوضيعة.

- إنها مسالك متناقضة لا يمكنُ الجمع بينها، ولا يمكن معها تربية جيل صالح سليم من التناقضات السلوكية.

- أيها الإخوة : هذا واقع غالب مجتمعاتنا الإسلامية ، قد غرقت في المتناقضات التي تصعب معها التربية السليمة.

- وما لم تحل هذه الأزمة التربوية فلن نتوقع أيَّ تحسُّن جاد في النشء الجديد.

- اللهم أصلح أولادنا صلاحاً من عندك، ولا تَكِلْهُم إلينا فيضيعوا.

- اللهم أصلح ما اعوج من أخلاقنا وسلوكنا، واهدنا لصالح الأقوال والأعمال يا رب العالمين.