الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإجتماعية @ 12- صلة الأرحام


معلومات
تاريخ الإضافة: 10/8/1429
عدد القراء: 1060
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها المسلمون : لقد خلق الله الإنسان اجتماعياً بطبعه، يستوحش الوحدة، ويكره الانفراد بنفسه.

- ولقد خلق الله الإنسان بأشواق لا يمكن أن تنمو وتزدهر إلا في وسط اجتماعي فعَّال يحتكُّ فيه بالآخرين.

- فالإنسان مفتقر بطبعه إلى الجماعة الإنسانية يعيش فيها، ويتعامل معها، ويتفاعل مع أفرادها.

- ولما كان للإنسان هموم وأشواق وحاجات لا يمكن أن يبثها في جميع الناس في المجتمع : جعل الله له الرحم من قراباته.

- فالرحم تجمع العائلة الواحدة في قالبٍ من التراحم والتعاطف والتكافل، مما لا يجده الفرد في المجتمع ككل.

- فالقرابة مجتمع صغير أكثر انسجاماً وتوافقاً وتفاهماً من الوسط الاجتماعي الكبير.

- يجد الفرد في ذوي رحمه : الأنس والانسجام والتأييد، إذا حزن وجد من يواسيه، وإذا احتاج وجد منهم العون ، وإذا مرض جاء منهم من يعوده.

- ولكم أن تتخيلوا شخصاً منقطعاً عن رحمه وقراباته كيف تكون حياته، وكيف يواجه مشكلاته؟

- إذا احتاج إلى المال لم يجد من يعينه، وإذا احتاج إلى الأنس لم يجد من يُؤنسه، وإذا مرض لم يجد من يعوده.

- وربما مات في بيته، فلا يتفطَّن أحدٌ لموته إلا حين تتعفَّن جثته، فيتفطَّن الناس له.

- ومن هنا ، ومن هذه الحاجات الضرورية الفطرية : جاءت الشريعة بالأمر بصلة الأرحام، والحرص على القرابات، والتحذير من القطيعة.

- يقول الله تعالى : " وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ".

- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ».      

- ويقول صلى الله عليه وسلم في فضل الصلة وثوابها: «صلة الرحم تزيد في العمر».

- ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: « من أحبَّ أن يُبْسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فلْيَصِلْ رحمه ».

- وكان أول كلامه صلى الله عليه وسلم للناس حين دخل المدينة : « يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ».

- وكان إذا سأله السائل عن عمل يدخله الجنة قال: « تعبد اللهَ ولا تشرك به شيئاً ، وتقيمُ الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم ».

- وفي الجانب الآخر جاء التهديد الشديد على قطيعة الأرحام، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فَرَغَ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ " .

- ويقول صلى الله عليه وسلم : « الرحم تنادي: ألا من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله ».

- وقال: « لا يدخل الجنة قاطع ».

- وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم».

- فكان إذا أراد الدعاء يناشد من في المجلس إن كان بينهم قاطع رحم أن يقوم عنهم ، فإن أبواب السماء تغلق عن قبول الدعاء.

- اللهم وفقنا للصلة، وجنبنا القطيعة، ولا تجعل فينا ولا معنا شقياً ولا محروماً يا رب العالمين.

* * *

- أيها الإخوة : إن الناظر في أحوال الناس مع صلة الأرحام، يجدهم على ثلاث مراتب : إما واصل ، أو مكافئ ، أو قاطع.

- فأما الواصل فهو الذي إذا قُطِعت رحمُهُ وصلها، بمعنى أنه يصل من قطعه، ويصبر على أذاه.

- وأما المكافئ فهو الذي يصل من وصله، ويقطع من قطعه، بمعنى أنه يعامل أرحامه بمثل ما يعاملونه به من الأخلاق الاجتماعية.

- وأما القاطع – والعياذ بالله – فهو الذي يقطع من وصله، ويقطع من قطعه، لا يبالي بشيء من ذلك ، وهذا بأخبث المنازل.

- لقد أجمع المسلمون على مرِّ التاريخ الإسلامي على وجوب صلة الرحم، وحرمة القطيعة، حتى مع غير المسلمين.

- فقد أذن الشرع للمسلم أن يصل رحمه من غير المسلمين، فقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه أن يصل أخاه الكافر ، وأذن لأسماء رضي الله عنها أن تصل أمها الكافرة.

- والرحم تشمل جميع الأقارب ، إلا أنها تتأكد للوالدين، ثم للمحارم، ثم الأقرب فالأقرب.

- والصلة واجبة على الجميع من الصغار والكبار ، بعضهم تجاه بعض ، إلا أنها تتأكد من الصغار إلى الكبار من باب الاحترام ، وإلا فالكل مطالب بالصلة ، والمسارعة فيها.

- والصلة تحصل بالزيارة، والمساعدة، والاتصال، والتهنئة، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، والتعزية، وكل ما من شأنه ربط الأقارب فيما بينهم.

- وأقلُّ الصلة : السلام من وقت لآخر، وفي الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « بلُّوا أرحامكم ولو بالسلام».

- وإن العاقل ليتعجب من بعض الآباء والأمهات ، إذا دبَّ الخلاف بين الكبار فتقاطعوا ألزموا بذلك الصغار،  فأمروهم بالقطيعة .

- والشريعة تنصُّ على أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومع ذلك فقد يُجبر الصغار على مسايرة الكبار في القطيعة، وهذا حرام لا يجوز.

- إن من أعظم أسباب القطيعة بين الأقارب : التحاسد فيما بينهم ، والمظالم الواقعة فيهم ، ولاسيما في الأموال، ومواقف سوء التفاهم، والنميمة التي ينقلها بعض الناس بين الأقارب، ولاسيما فيما ينقله النساء إلى أزواجهن من الأخبار الكاذبة ، أو المبالغ فيها.

- فلو طهَّر الناس قلوبهم من الحسد، وأقاموا العدل فيما بينهم، وكفُّوا عن سماع النميمة : لانتهت مشاكل الناس ، وحصل الاستقرار الاجتماعي.

- أيها المسلمون: لقد اشتق الله للرحم اسماً من اسمه، فهو الرحمن وهي الرحم، وما من ذنب أجدر أن يعجِّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا من قطيعة الرحم، فاستعينوا بالله على صلة أرحامكم، وكفِّ الأذى عنهم.

- اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال.