الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الأخلاقية @ 17- سلوك المسلم بين الصغائر والكبائر


معلومات
تاريخ الإضافة: 10/8/1429
عدد القراء: 3587
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

- أيها الإخوة : لقد جُبلت النفس الإنسانية على الوقوع في الخطأ، وارتكاب المعصية، والانزلاق في المحظور ، وعدم الانضباط في كثير من الأحوال.

- فليس من إنسان إلا وله من الهفوات والأخطاء، تكثر أحياناً وتقل أحياناً؛ وذلك بقدر ما معه من الإيمان والتقوى.

- ولا يكاد أحد ينجو من المعاصي إلا أنبياء الله الكرام، ورسُلُه العظام عليهم جميعاً الصلاة والسلام ؛ لما صانهم الله به من العصمة والحفظ.

- وفي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «كل ابن آدم خطاء»، يعني ليس أحدٌ منهم من غير المعصومين إلا وقد جُبل على الخطأ.

- وهذه الأخطاء التي يقع فيها بنو آدم على نوعين: أخطاء متعمَّدة، يقع فيها أصحابها وهم يعلمون حرمتها ، وما فيها من الإثم.

- فيغلب على أحدهم الهوى، أو تسوقه الشهوة فيقع فيما حرم الله عليه، فيبوء بالإثم والخطيئة، ويكون مستحقاً للعقوبة.

- وأما النوع الثاني فأخطاء غير متعمَّدة ولا مقصودة، يقع فيها أصحابها بسهو أو جهل أو غفلة، لا يتعمَّدون السوء ولا المعصية.

- وربما وقع أحدهم في المعصية مكرهاً لا يتقصَّد السوء، وإنما ألجئ إلى ذلك إلجاءً، لا نية له في معصية الله تعالى .

- فهؤلاء وأمثالهم قد عفا الله عنهم، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما اسْتُكْرِهُوا عليه» ، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته بعباده.

- ثم إن المعاصي والأخطاء التي يقع فيها أصحابها متعمِّدين ومتجرِّئين على حدود الله تعالى تندرج - هي الأخرى - في نوعين:

- النوع الأول: الكبائر، وهي ما توعَّد الله أصحابها بالعذاب، أو وضع لها حداً شرعياً، أو لعن مرتكبها، أو نفى عنه الإيمان.

- وهذه الكبائر لا بد لها من التوبة النصوح، ليس لها كفارة إلا هذه، حتى وإن أقيم على صاحبها حدٌ شرعي ؛ إذ لابد من التوبة ، ومن مات مُصراً على شيء منها، كان تحت المشيئة، إن شاء الله تعالى عذَّبه ، وإن شاء غفر له.

- وأما عدد الذنوب الكبائر فهو كثير، لا يجمعها عدد معين، فالكبائر إلى السبعين بل إلى السبعمائة : أقرب منها إلى السبعة المذكورة في الحديث.

- وأما النوع الثاني من المعاصي التي يقع فيها أصحابها متعمِّدين فهي الصغائر، التي وعد الله بالتجاوز عنها إذا اجتنب أصحابها الكبائر.

- كما قال تعالى : " إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا ".

- وقال أيضاً : " وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ".   

- وقال أيضاً : " الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ".

- فهذا وعدٌ صريح أكيد من الرب الكريم لمن اجتنب الكبائر أن يغفر الله تعالى له الصغائر، ويتجاوز عنها.

- فالصلوات الخمس والجمعة ورمضان والحج والعمرة كلُّها كفارات للصغائر من الذنوب، بشرط الاستغفار وعدم الإصرار أو الاستحلال.

- فإن الذنب الصغير يصبح كبيراً إذا استحله صاحبه، أو أصرَّ عليه، ولم يُبالِ بالوقوع فيه، ولم يتبعه باستغفار أو صدقة أو توبة.

- وأما عدد الذنوب الصغائر فإنه لا يحصرها عدد لكثرتها وتشعُّبها، فمنها: النظرة بشهوة إلى الصور المستحسنة، وكذب المزاح، والشتيمة، والكلمة السخيفة البذيئة، واللغو والثرثرة، وسماع الملاهي والمعازف، ونحوها من الصغائر المستقبحة.

- والمسلم الصالح إن وقع في شيء من ذلك فإنه يستغفر الله، فإن فعل ذلك فإن الله يغفر له وإن عاد في اليوم سبعين مرة.

- وإنما المشكلة في الإصرار على الصغيرة وعدم الاستغفار، فمن أصرَّ ولم يستغفر أوشك أن يستحل الذنب والعياذ بالله.

- وفي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « كل أمتي معافىً إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يُصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، فيصبح يكشف ستر الله عنه».

- فاتقوا الله أيها الناس، وتنبَّهوا لأعمالكم، واحرصوا على ما يكفِّر الله به الذنوب والخطايا، وأكثروا من الاستغفار فإن الله غفور رحيم.

* * *

- أيها المسلمون : لقد ذكر الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم : جمعاً من الذنوب الكبائر التي توعَّد أصحابها بأليم العقاب.

- مثل: الشرك بالله، وقتل النفس المحرمة، وتعاطي السحر والكهانة، وترك الصلاة، والامتناع عن أداء الزكاة، والإفطار في نهار رمضان، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والزنا، واللواط، وشرب الخمر، والفرار من أرض المعركة، والقمار، والسرقة، وشهادة الزور، والرشوة، والرياء، والغيبة، والنميمة، والنياحة، وغيرها.

- أيها الإخوة : هذه الجرائم الكبار، التي توعَّد الله أصحابها بشديد العقاب: ماذا بقي منها لم يقع فيه المسلمون المعاصرون؟!

- ماذا بقي من كبائر الذنوب والموبقات لم يجاهر به المسلمون اليوم؟

- ماذا يفعل الناس من الكبائر المحرمة في الأندية والمسارح ودور اللهو؟

- ماذا يفعلون بأموالهم في البنوك ؟!

- ما هو موقف الأغنياء من الزكاة ؟

- وما هو حال السحرة والمشعوذين في ديار المسلمين؟

- بل ما هو حال بعض المسلمين عند القبور والأضرحة، حين لا يفرِّق أحدهم في الدعاء والرجاء والاستغاثة : بين الله جلَّ في علاه ، وبين شخص مدفون تحت الثرى ؟

- إنها الجرائم الكبار، التي لا يبقى معها خير، ولا يندفع مع وجودها شر.

- فاتقوا الله في أنفسكم، واعلموا أن الله يمهل ولا يهمل ، فإذا أخذ المذنبين المصرِّين : فإن أخذه أليم شديد