36- تعامل المنافقين مع التطرُّف الديني

 

-  أيها الإخوة : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال: « يا أمير المؤمنين : إنكم تقرأون آية في كتابكم ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليومَ عيداً ، قَالَ : وأيُّ آية ؟ قال: قوله :
" الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا " ، فقال عمر : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رســول الله صلى الله عليه وسلم ، عشية عرفة من يوم الجمعة » .

-  لما نزلت هذه الآية وسمعها عمر رضي الله عنه بكى ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
« ما يبكيك ؟ قال : أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذا أُكْملَ ، فإنه لم يكملُ شيءٌ إلا نقص ، فقال : صدقت » ، فلم يعش الرسول
صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية إلا ثمانين يوماً حتى لحق بربه .

-  لقد ختم الله تعالى رسالاتِهِ السماوية بهذه الرسالة الخاتمة ، فأكملها  كأحسن ما يكون ، وارتضاها ديناً لعباده حتى آخر الدهر.

-  فلن يأتي يومٌ تحتاج فيه البشريةُ إلى دين جديد ، وإنما تحتاج إلى مجدِّدين ، يُحيون ما اندرس من دين محمد صلى الله عليه وسلم .

-  وحتى نبي الله عيسى بن مريم عليهما السلام حين ينزل في آخر الزمان إنما يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان عيسى بن مريم لا يحق له أن يخرج عن هذه الشريعة المحمدية فكيف بغيره ؟

- وقد قال عليه الصلاة والسلام في حق موسى عليه السلام: « والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني ».

-  فهذا الدين هو شريعة الله إلى آخر الدهر ، لا تغـيِّرهُ الأحداثُ التطرفية ، والمسالك الخارجية ، كما لا تُغيِّره دعاوى المنافقين ومقالاتهم ، حين يحاولون وصف هذا الدين بالغلو والتطرف, عندما يضلُّ بعض الشباب المسلم عن الطريق المستقيم , نحو التكفير أو التفجير.

-  إن الثبات والديمومة والكمال : أوصافٌ أصيلةٌ لهذا الدين ، لا تغيِّرها الأحداث مهما كانت عنيفةً وقوية ، فلا المتطرفون المتشدِّدون ولا المنافقون يستطيعون أن يغيِّروا هذا الدين ، فهو حجة الله الباقية إلى آخر الدهر .

- لقد كمل هذا الدين ، وارتضاه الله تعالى لنا في عقائده وأحكامه وتشريعاته، فلا تغيير ولا تبديل.

-  فما ورد في هذا الدين من أخبار الغيب : نؤمن بها كما أمر الله ، وما ورد من تشريعات نؤمن ونعمل بها، وما سكتت عنه الشريعة ، أو كانت نصوصاً عامة غير قاطعة : جاز عندها اجتهاد أهل العلم والتقوى لمعرفة مراد الله تعالى.

-  فالعقيدة التي استقر عليها السلف في القرون المفضَّلة هي العقيدة الصحيحة ، بلا تحريف ولا تعطيل ولا تأويل فاحش , يخرج بها عن معانيها اللغوية المعروفة.

-  وكذلك الأحكام الشرعية التفصيلية الثابتة في الكتاب أو السنة هي الشريعة التي ألزمنا الله تعالى الإيمان بها والعمل بمقتضاها .

-  إن المسلم المعاصر ليتعجَّب من حال المنافقين في هذا العصر, حين يتحدثون عن الدين ، يريدون ديناً يفصِّلونه لأنفسهم ، مستغلين الأحداث التطرفية التي تكررت في بلادنا , وفي بعض الدول الأخرى:

-  فهم يريدون ديناً بلا عقيدة يعتقدونها .   

-  يريدون ديناً بلا عبادة يقومون بها.    

-  يريدون ديناً بلا حلال ولا حرام، ولا التزامات شرعية.

-  يريدون ديناً بلا حبٍّ ولا بغض, ولا ولاء ولا براء .

-  يريدون ديناً بلا مناهج دينية .        

-  يريدون ديناً بلا مساجد وحِلق تحفيظٍ للقرآن.

-  يريدون ديناً بلا جهاد للأعداء .

-  يريدون ديناً بلا هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

-  يريدون ديناً بلا ردَّة .

-  يريدون ديناً بلا تعدد للزوجات .

-  يريدون ديناً بلا مصارف إسلامية , ولا اقتصاد إسلامي.   

-  يريدون ديناً بلا  حجاب للنساء.

-  يريدون ديناً بلا استقامة .

-  إنهم في الحقيقة يريدون ديناً بلا دين ، ديناً أجوف لا حقيقة له ولا كيان ، ديناً بلا معنىً .

-  إن من الظلم الربط بين الدين الإسلامي والأحداث التطرفية الأخيرة التي حدثت في بلادنا ، أو التي تحدث في بعض دول العالم؛ فالدين بريء منها.

-  إن من الظلم الربط بين اللحية, وتقصير الثياب, وحِلَق تحفيظ القرآن, والمراكز الصيفية, وبين التطرف والغلو .

-  إن الرجل الخارجي الذي خرج زمن النبي صلى الله عليه وسلم  كان  من الأنصار ، الذين نصروا الدين، فهل من المنطق الشرعي تفكيك جماعة الأنصار , أو الطعن فيهم؛ لكون رجل متطرف خرج منهم ؟

-  ثم إن الرجل الذي قتل على بن أبي طالب رضي الله عنه كان من القُرَّاء ، فهل من المنطق الشرعي إلغاء حفظ كتاب الله تعالى؛ لكون الرجل خرج منهم ؟ إن مثل هذا لا يقول به عاقل .

-  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : " وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " .

* * *

- أيها الإخوة:  يخطئ بعض الناس في الربط بين الفتوى الفقهية الشرعية وبين التطرف أو التفلُّت ، فيصفون الفتوى المتشدِّدة بالتطرف ، ويصفون الفتوى المتساهلة بالتفلُّت ، وكلاهما حكم خاطئ ، فالأحكام الفقهية التي يجتهد فيها العالم المتخصِّص , ويأخذ بقوله المقلِّد من الناس والعوام: لا يجوز فيها الوصف بالتطرف أو التشدد , كما لا يجوز فيها الوصف بالتفلُّت أو الفسق، مادام أن لها حظاً من النظر العلمي , المنضبط بضوابط الاجتهاد.

-  فحكم التصوير الفوتوغرافي مثلاً لا يصح وصف من قال بحرمته بالتشدُّد ، كما لا يصح وصف من قال بجوازه بالتفلُّت والتساهل .

-  وحكم غطاء وجه المرأة لا يجوز وصف من قال بوجوب غطاء وجهها بالتشدُّد ، كما لا يوصف من أجاز الكشف – بشروطه الشرعية- بالفسق أو الإثم .

- فلابد من الفصل بين الاجتهاد العلمي المبني على الأصول الشرعية, وبين الوصف بالتشدُّد والتطرف, أو التفلُّت أو التساهل.