الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإيمانية @ 31- التعامل مع المصائب


معلومات
تاريخ الإضافة: 9/8/1429
عدد القراء: 885
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق


-  أيها المسلمون : لقد اعتاد العقلاء ، من أهل الإحساس المرهف ، ممن لم تتبلَّد مشاعرهم ، ولم تقس قلوبُهم أنهم إذا نزل بهم أمر يكرهونه من: المصائب والنكبات ، من : الحروب والفتن والزلازل والأمراض ، أنهم يعودن إلى الله ، ويتوبون إليه ، ويستغفرونه ، فإن ما أصابهم إنما أصابهم بذنوبهم وأخطائهم .

-  كما قال الله تعالى : " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ".

-  وكما قال تعالى أيضاً : " مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ... "

-  ومع ذلك فإن الأغبياء تنزل بهم المصائب ، وتحلُّ به النكبات ، ومع ذلك لايشعرون بتأنيب الضمير ، ولا يتذكرون .

-  تأتي المصيبة على أحدهم ، فيعيش آلامها وأحزانها، ثم تنجلى وتذهب ، فلا يدري لماذا جاءت المصيبة ، وكيف ذهبت ، ولماذا انجلت ؟

-  فهو بليد الإحساس ، ضعيف الإدراك ، خفيف العقل ، لا يعرف من الحياة إلا المادة : ما يُوزن ، وما يُطعم ، وما يُقاس .

-  أما ما وراء ذلك من الأمور الروحية فبينه وبينها حجب عراض غلاظ ، لاتنجلي إلا بالموت المجهز .

-  أيها المسلمون : إن كلَّ ما يجري في الكون إنما يجري بقضاء وقدر قد سبق من الله تعالى ، لا يجري شيء إلا بأمره وحكمه .

-  فالخير والشر ، والموت والحياة ، والحركة والسكون ، والفرح والحزن ، كلُّ ذلك بأمر الله ، وقضائه وقدره .

-  ولقد وعد الله عباده الصالحين بالفلاح والأمان والخير في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا .... ".

-  وفي الجانب الآخر فقد توعَّد الفاسقين والمجرمين بالعقوبة العاجلة والآجلة فقال تعالى : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ".

-  إنها سنة الله التي لا تتخلَّف في عباده ، فالنصر والسعادة للمؤمنين ، والخسف والضنك للفاسقين المفرطين .

-  فما بالُنا لا نرجع باللائمة على أنفسنا حين تنزل بنا المصائب والكوارث، فنحاسب أنفسنا على تقصيرها وتفريطها.

ــ أيها المسلمون: إن أفضل وأعظم ما تُواجه به المصائب ، وتُردُّ به النكبات هو التوبة الصادقة النصوح .

-  فإن المصيبة حين تنزل تذكر الناس وتوقظهم ، ولكن المصيبة الكبرى ، والرزية العظمى فيمن لا يتذكَّر ولا يستيقظ .

-  يقول الله تعالى : " وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " .

-  فأي مصيبة أعظم مِنْ مصيبة الرجل في نفسه حين لا يتذكر ولا ينيب ولا يتوب ، فهذه أعظم المصائب على الإطلاق .

-  إن أزمتنا التي نحياها في عالمنا الإسلامي اليوم ليست مع أعدائنا بقدر ما هي مع أنفسنا وقلوبنا .

-  لقد أُتينا من جهة أنفسنا وليس من جهة أعدائنا ، كما قال الله تعالى للمسلمين يوم أحد : " أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " .

-  فإذا كان هذا خطاب الله تعالى لأوليائه من الصحابة، وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماذا تراه سبحانه يخاطبنا به ، من التوبيخ والعتاب ، لو قُدِّر أن ينزل في هذا الزمان قرآن ؟

* * *

ــ أيها الإخوة : إن شأن المصيبة عظيم ، وشؤمها خطير ، إذا لم يتبعها توبة واستغفار وإنابة إلى الله تعالى .

ــ لقد أخطأ إبليس فلم يتب فعاقبه الله بالطرد من رحمته ، وأصر قوم نوح على الكفر فأغرقهم الله .

ــ واستكبر قوم عاد فأخذهم الله بالريح ، وكفر قوم ثمود فأخذهم الله بالصيحة.

-  " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " .

-   ما بال أناس يظنون أنهم لا يُؤاخذون بذنوبهم ومعاصيهم ، قد ركبهم الغرور ، وأحاطت بهم الظنون السيئة.

-  والله تعالى يقول : " لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا".

-  فليس أحد من العُصاة بمأمن من العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، وأقل ما يصيبه في الدنيا أن لا يُوفَّق للتوبة الصادقة.

-  فيبقى مصراً على الذنوب حتى يلقى الله بموبقاته  وجرائمه ، فلا تنفعه التوبة حينئذٍ ولا الإنابة.

-  فعجِّلوا أيها المسلمون بالتوبة والإنابة ، فإن الله تعالى يقول : " وَتُوبُوا إِلَى  اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " .

-  اللهم إنَّا نسألك توبة صادقة قبل الموت ، تغفر بها ذنوبنا ، وتمحو بها سيئاتنا، وترفع بها درجاتنا ، وتجعلنا بها من عبادك المخلَصين ، يا أرحم الراحمين.