8ـ تعدد الزوجات بين الشريعة والواقع

            منذ فجر التاريخ الإنساني وحتى الآن مازالت البشرية تمارس تعدد الزوجات بصورة من الصور المتنوعة.

            ولم تعرف البشرية زماناً اكتفى فيه جميع الرجال بالزوجة الواحدة.

            فأمَّة اليهود تعدد بلا حدود, فقد كان لداود عليه السلام مائة امرأة, وكان لسليمان عليه السلام ألف امرأة.

            وطوائف من النصارى حتى اليوم ترى جواز التعدد، وتمارسه في الدول المتقدمة سراً.

     والبلاد التي لا تسمح بالتعدد للزوجات: تُبيح للرجل معاشرة النساء والخليلات ، واتخاذ الأخدان  ، بلا حدود ولا قيود.

     أيها المسلمون : من هنا نعلم أن الإسلام لم يبتدع نظام تعدد للزوجات، وإنما جاء ليضبطه، ويُقيمُهُ بالعدل ، ضمن نظامه المحكم.

     ولم يثبت حتى الآن ما يدل على فساد هذا النظام ، أو وقوفه في طريق التقدم الإنساني، ضمن أحكام الإسلام وضوابطه.

     فما زال المسلمون في كثير من أحوالهم يُعدِّدون الزوجات ، بدءاً من زمن النبوة وعهد الخلفاء وحتى عهد قريب، في العصور المتأخرة.

     وقد انتفع المسلمون ذكوراً وإناثاً بهذا الحكم الرباني ، فيجد الرجل بغيته فيما أباح الله، وتجد المرأة رجلاً يقوم عليها ويرعاها.

     ثم تعاقبت على الأمة دهور تطاول فيها الكفار على بلاد المسلمين حتى استعمروها ، ونُحِّيت الشريعةُ عن واقع الحياة، وخرجت قوانين وضعية تساوي بين الجنسين، وتُحرِّم وتجرِّم التعدد، حتى أصبح الزنا الصريح أهون من التعدد للزوجات.

     ففي الوقت الذي يحرِّم فيه القانون الوضعي تعدد الزوجات : يُبيح للفتاة معاشرة الرجال مادامت قد تجاوزت الثامنة عشرة من عمرها.

     ومن عجائب وغرائب وقائع القانون ا لوضعي : أنَّه قُبض على رجل في إحدى الدول العربية قد اتهم بتعدد الزوجات, فلم يكن له سبيل إلى النجاة من العقوبة القانونية إلا أن يصرح بأن المرأة التي اتُهم بها إنما هي صديقته وليست زوجته, فخُلِّيَ سبيله بناء على ذلك.

     وهكذا القانون الوضعي يقف لحماية الرذيلة, ومحاربة الفضيلة, يقف في أبشع وأقبح صورة تعارض العقل والنقل.

     إن مما ينبغي أن يُعلم أن الشريعة الإسلامية جاءت باستحباب التناسل والتكاثر, فالكثرة العددية قوة اقتصادية وعسكرية.

     وتعدد الرجل للزوجات يخدم مبدأ التكاثر بصورة واضحة, في حين لا تخدم المرأة التكاثر بتعدد الأزواج, ففي الوقت الذي يمكن للرجل أن يلقِّح أكثر من امرأة , لا تحتاج المرأة لأكثر من لقاح واحد ؛ فإن رحمها لا يتسـع لأكثر من ماء واحد ، والمـرأة بالفطرة لا تقبل إلا الزوج الواحد , والرجل بالفطرة يتقبل الزوجات الكثيرات.

     ولهذا يعدد الرجال في جنات النعيم ولا يعدد النساء, فلو كان تعدد النساء للرجال خيراً لكان ضمن كرامة الله في الجنة, فليس في الجنة شيء ممنوع مما يتمناه أولياء الله من الرجال والنساء, فدل على أنها الفطرة.

     وعلى الرغم من وضوح الفكرة من الوجهة الإسلامية إلا أن الحرب على تعدد الزوجات في غاية القوة والشراسة عبر القوانين الوضعية ، ووسائل الإعلام , والممارسات الاجتماعية.

     وقد دلَّت الإحصاءات في البلاد الإسلامية أن التعدد انخفض إلى 2% فقط, مما أسهم  بصورة مباشرة في كثرة العوانس.

     فقد بلغت نسبة النساء العوانس في المملكة أكثر من مليون ونصف مليون عانس حسب إحصائيات عام 1420هـ.

     إن الواقع يشهد بأن الرجل لن يعجز عن أن يجد امرأة يتزوجها, في حين قد تعجز المرأة عن أن تجد رجلاً يتقدم إليها.

     إن العمل الفعلي للتعدد يبدأ حين يكثر النساء الصالحات للزوجات, ويقل الرجال الراغبون في الزواج ، فهنا يعمل نظام التعدد وبصورة تلقائية لصالح النساء.

     فلو قُدِّر أن تساوى عدد النساء الراغبات في الزواج مع عدد الرجال الراغبين في الزواج لم يعد هناك مكان للتعدد.

     إلا أن الواقع البشري يشهد دائماً بمزيد فائض في أعداد النساء الراغبات ممن لا يجدن الزواج, ومن هنا يأتي نظام التعدد ليحل الأزمة.

     أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (.

^   ^   ^

     إن الممارسات الخاطئة التي يقع فيها البعض عند أخذه بنظام تعدد الزوجات لا دخل لها ولا علاقة لها بالمبدأ الشرعي الذي شرعه الله تعالى.

     إن تعدد الزوجات لا يعني ظلم المرأة الأولى, واضطهادها, وتهديدها, وهجران بيتها, وإهمال ولدها، فكل ذلك ممنوع شرعاً.

     كما أن هذه المرأة التي قبلت أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة هي عضو في المجتمع له حقوقه, ولا يجوز لنا الوقوف أمام رغبتها وحاجتها.

     إن التعدد لا يبيح للمرأة الأولى أن تنطلق بغيرتها الجامحة فتهتك أستار البيت, وتحطِّم عراه, وتنتقم من أولادها, فكلُّ ذلك ممنوع شرعاً.

     إن الواجب أن نرتقي إلى مستوى هذا التشريع الرباني الذي أكرمنا الله به , ونتقيَّد بآدابه وأحكامه فهو الرحمة للعالمين, فإذا لم نأخذ به فإلى أيِّ تشريع نذهب: ) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (.