الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ السيرة النبوية @ 3ـ فضل الأنصار وجهادهم


معلومات
تاريخ الإضافة: 6/10/1427
عدد القراء: 2725
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

·    منذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ،وأمره بتبليغ الرسالة، وهو يلقى من قومه بمكة العنت والصد والتكذيب، فلم يؤمن بدعوته إلا القليل.

·    وقد تفنَّنت قريش في رد الدعوة الإسلامية بصنوف الأذى والمكر والخداع ، حتى وصل بهم الأمر للنيل من صاحب الدعوة في نفسه وعرضه.

·    وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في كلِّ عام في موسم الحج يعرض نفسه على القبائل لعلهم يُؤونه ويحمونه حتى يبلغ دعوة ربه، فلم يجبه أحد.

·    حتى إذا كانت حجَّة السنة الحادية عشرة من النبوة خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل يطوف على القبائل كعادته ، يعرض عليهم الإسلام ، فمرَّ بستة نفر من أهل المدينة من الخزرج.

·    وكان من سعادة هؤلاء الستة أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم من اليهود أن نبياً يبعث في هذا الزمن، فشرح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم تعاليم الإسلام ومبادئه فأسلموا جميعاً.

·          وقد أنهكت أهل المدينة الحروب الطاحنة بين الأوس والخزرج، التي ذهبت برجالهم ، وأضاعت أموالهم.

·    فما أن عاد هؤلاء الستة إلى المدينة حتى بشَّروا بالإسلام، فما من بيت إلا ودخله هذا الدين ، في زمن قياسي يسير.

·    وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير رضي الله عنه أول سفير للإسلام ، يعلمهم ويقرأ عليهم القرآن.

·    وكان مصعب رضي الله عنه في غاية الحكمة في دعوته وأسلوبه، فما يكاد يسمعه أحد إلا أسلم، فأسلم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير رضي الله عنهما.

·    وما غابت شمس ذلك اليوم الذي أسلم فيه سعد بن معاذ وأسيد بن حضير حتى أسلمت قبائل بكاملها من أهل المدينة.

·    فقد وقف سعد بن معاذ على قومه يوم إسلامه فقال: »يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا وأفضلنا رأياً، فقال : فإن كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله «، فما أمسى منهم أحدٌ إلا وقد أسلم.

·    ولما انتشر الإسلام في المدينة ، رغبوا أن يضموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت بيعه العقبة الثانية في موسم عام اثني عشر من النبوة.

·    وقد علم أهل المدينة أنهم يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم على معاداة الأحمر والأسود ، وعلى معاداة قبائل الجزيرة ، ومع ذلك بايعوه يدفعهم الإيمان الصادق.

·    وقالوا فيما قالوا : » فإنا نأخذه على مصيبة الأموال ، وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّينا بذلك ؟ قال: الجنة «.

·    وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعدهم بشيء من أمر الدنيا إنما هي الجنة، يربطهم بالغيب ، ليس شيء إلا ما عند الله تعالى فقط.

·          قال جابر رضي الله عنه : » فقمنا إليه رجلاً رجلاً ، فأخذ علينا البيعة، يعطينا بذلك الجنة «.

·    فما لبث المسلمون طويلاً في مكة حتى أُذن لهم بالهجرة إلى المدينة، ثم انضم الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، وبدأت المدينة في صراعات طويلة دامية مع قبائل الجزيرة وقريش ، مات فيها من مات من أهل المدينة والمهاجرين، ذهبت فيها الأموال والأنفس حتى كان الفرج بالفتح الأكبر المبين ، حين فتح الله مكة.

·    وبقيَ أهل المدينة من الأنصار على عهدهم ووفائهم في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده ، لا يطلبون أجرهم إلا من الله.

·    لقد قدَّم الأنصار لدعوة الإسلام ونصرته كلَّ ما يملكون من أموالهم وأنفسهم، لم يبخلوا على الإسلام بشيء ، حتى امتدحهم الله تعالى بقوله: ) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( .

·    ولقد شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالوفاء فقال للمهاجرين: » إن الأنصار قد قضوا الذي عليهم ، وبقيَ الذي عليكم « .

·          وقال فيهم: » فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار ، حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام«.

·    وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في فضلهم: » لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار ، ولو سلك الناس واديا أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبهم « .

·    وقال في حبِّهم: » والذي نفسي بيده لا يُحب الأنصار رجلٌ حتى يلقى الله إلا لقيَ الله وهو يحبه، ولا يبغض الأنصار رجل حتى يلقى الله: لقِيَ الله وهو يبغضه « ، وقال: » آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار«  .

·          وقال : »لا يحب الأنصار إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله« .

·          اللهم إنا نشهدك أنا نحب الأنصار ونواليهم، ونبغض من يكرههم ويعاديهم.

^   ^   ^

·    أيها المسلمون : إن هذه المكانة العظيمة التي نالها الأنصار لم تكن براحة أبدانهم وسلامة أجسادهم وانتفاخ جيوبهم، وإنما نالوها بجهادهم ودمائهم وبذل أموالهم.

·    وإن موقفاً من مواقف هؤلاء الأنصار وعظيم إيثارهم ليوضِّح مكانتهم وعظيم منزلتهم، فقد روى البخاري بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم عزم أن يقطع الأنصار جزيرة البحرين، فقالوا : » لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها «.

·    ومن مواقفهم العجيبة أن رجلاً من الأنصار استضاف رجلاً فقيراً من أضياف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن عنده إلا طعام عياله، فآثر الضيف به ، وبات هو وزوجته وأولاده جائعين، فعحب الله من صنـيعهما، فأنزل: ) وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ( .

·    أيها المسلمون : إنما ارتفع شأن الأنصار بنصرتهم لهذا الدين، فانصروا أنتم دينكم، وأعلوا من شأنه ، يرفع الله منازلكم ، ويُعْلِ من شأنكم.