الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ تربية الشباب @ 3ـ حاجات الشباب والواقع الإجتماعي


معلومات
تاريخ الإضافة: 6/10/1427
عدد القراء: 1058
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

·   منذ أن يُخلق الإنسانُ في بطن أمِّهِ وهو في نمو مستمر ، ينتقل من مرحلة إلى أخرى ، تبدأ من كونه جنيناً ،وتنتهي بالهرم.

·   فالإنسان في نمو مستمر بدءاً من كونه جنيناً في عالم الأرحام, قد أحاطت به الأحشاء, حتى إذا كان الشهر التاسع من عُمُره, فُطم من عالم الأرحام, ودُفع دفعاً بغير إرادته إلى عالم الشهادة, ليبدأ مرحلة الرضاعة في كنف أمِّهِ عامين كاملين.

·   فإذا أتمَّ العامين فُطم من الرضاعة لينتقل إلى مرحلة الحضانة في رعاية أمِّهِ وإشرافها, فهو لا يزال في حاجة إلى رعاية مباشرة.

·   فإذا أتمَّ الطفل السابعة دخل سن التمييز ، وفُطم من الحضانة والرعاية المباشرة, وأصبح له إدراك  لا بأس به ، يحفظ به نفسه، ويميِّز به شيئاً من مصالحه.

·   فإذا أتمَّ الطفل مرحلة التمييز دخل سن المراهقة, وبدأت معه إرهاصات البلوغ, والاستعداد للفطام الأكبر من الطفولة، إلى عالم الشباب والتكليف.

·   فإذا ظهرت علامات البلوغ على المراهق أو بلغ الخامسة عشرة, فقد دخل سن الشباب, وجرى عليه القلم, وأصبح مكلَّفاً شرعاً، ومسؤولاً عن أعماله وتصرفاته.

·        ففي هذه المرحلة تتفجر في الشاب طاقات كبيرة : إيمانية وأخلاقية ونفسية وعقلية وجسمية وجنسية شاملة.

·   في هذه المرحلة تنبعث في نفس الشاب يقظة دينية صادقة ، تسوقه إلى الله وحبِّهِ وعبادته, تحتاج هذه اليقظة من الأسرة والمجتمع رعاية وتنمية.

·   تتفتح في نفس الشاب في هذه المرحلة حاجات ورغبات كثيرة, تختلف عن حاجاته ورغباته في المراحل السابقة.

·   فهو في حاجة إلى العلم النافع الذي يُنير عقله ويفتح ذهنه, وهو في حاجة إلى مهارات علمية وعملية تُؤهله للكسب والإنتاج.

·        وإن من أعظم حاجات الشاب في هذه المرحلة هو السَّكن إلى المرأة، الذي لا يتم إلا بالزواج ، وبناء الأسرة.

·   ولكن أنَّى للشاب في ظروف الحياة المعاصرة أن يحقق هذه الحاجة الفطرية في وقت مبكر من شبابه، حتى يكابد آلام الحرمان، ويعاين قسوة العزوبة.

·   إن عقبات ضخمة تقف في طريقه: الشهادة التي تؤهله للعمل, العمل الذي يدرُّ عليه المال, السَّكن الذي يؤويه مع زوجته .

·   فإذا قُدِّر أن تمَّ له ذلك جاءت عقبات الزواج: المهر المرتفع, تكاليف العرس, شروط الزواج القاسية, فرش المنزل.

·   وأمام هذه العقبات الكثيرة القاسية : يُعرض الشباب عن الزواج إلى ما بعد الخامسة والعشرين, وفي بعض البلاد, إلا ما بعد الثلاثين.

·   أيها المسلمون : ماذا يصنع الشاب بطاقاته ورغباته وأشواقه خمسة عشر عاماً أو أكثر ؟  أين يذهب بها في ظلِّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية الحاضرة ؟.

·   هل بالفعل يذهب الشاب بطاقاته نحو العبادة والصيام والصلاة والعلم, فينشغل بذلك عن المفاسد الخلقية ؟ هل هذا هو الواقع ؟.

·   أم أن الواقع يشهد أن غالب الشباب يتوجهون بطاقاتهم إلى المفاسد الخلقية ، والانفعالات العاطفية ، والتمرد الأسري.

·   لقد كثرت شكوانا من سلوك الشباب ، وسوء أخلاقهم, وقبيح أفعالهم, وهذا حق, ولكن لماذا لا نسأل أنفسنا : ماذا قدَّمنا نحن للشباب ؟

·        ماذا قدَّمنا للشباب في بيوتنا من : الحنان والرحمة ، والرعاية الأبوية, والقدوة الصالحة.

·   ماذا قدَّمنا لشبابنا في مدارسنا وجامعاتنا من التربية التي تنير العقل وتفتِّق الذهن ؟ إن أحدهم يخرج من الثانوية فلا يجد في كثير من الأحيان- مقعداً في الجامعة، إلا بشقِّ الأنفس .

·        ماذا قدَّمنا لشبابنا في وسائل إعلامنا العربية من الثقافة الإسلامية, والعلوم العصرية, والمعارف العلمية ؟

·   ماذا قدَّمنا لشبابنا في مؤسساتنا الاقتصادية الخاصة والعامة ؟ حتى إنك لتجد أحدهم يدور بملفه فلا يجد عملاً يناسبه ، أو جهة تقبله.

·   إن من الصعوبة بمكان أن ينسجم الشاب في مجتمع لا يحقق مطالبه, ولا يحترم حاجاته ، بل يتجاهلها ويتغافل عنها, ولهذا كثيراً ما يتوجَّه الشباب نحو التعبير عن هذا بالتمرد الأسري, وبالانفعالات السلوكية, وبالقصات والملابس الغريبة, وربما بالانحراف والتطرف يثبتون أنهم هنا, ويعبِّرون للمجتمع عن سخطهم بأساليب عوجاء حمقاء.

·   إن واجب المجتمع أن ينظر في حاجات الشباب, ويعيد حساباته وأنظمته التعليمية والاقتصادية لتُناسب حاجاتهم وتطلعاتهم, فإذا تمادى المجتمع في تجاهله لحاجاتهم ، وإعراضه عن رغباتهم : فإنَّ مزيـــداً من العنت والأذى ســـوف يلحق بالمجتمع , وفي الأثر: » الشباب شعبة من الجنون «.

^   ^   ^

·   أيها الآباء أيها المربون : هلَّا تساءلنا: ما الفرق بيننا نحن الكبار وبين أبنائنا البالغين, إن الفرق في الحقيقة- يكمن فقط في حجم الخبرة التي حصلنا نحن الآباء عليها، ولم يحصل أبناؤنا عليها بعد.

·   فالشباب مثلنا مخاطبون بالكتاب والسنة, ومكلَّفون شرعاً , ولهم أشواق ورغبات مثلنا : رغبة في الزواج والاستقلال بالأسرة ورغبة في الحصول على مورد اقتصادي ، ونحوها من الرغبات.

·   إلا أن الواقع يرفض الاعتراف بهذه الحقوق للشباب بسبب ضعف الخبرة ، ويُلزمه بسنوات أخرى ليتأهل للحياة الاجتماعية.

·   إن الخبرة لا تأتي إلا من التجربة ، لا تأتي بمجرد الطعن في السن, فالشاب الذي لم تتح له فرص العمل كيف ينال خبرة العمل, والشاب الذي لم يتأهل للزواج كيف تتاح له فرص خبرة الزواج, والشاب الذي لم يكلَّف بمسؤوليات كيف تتاح له فرصة الخبرة في الحياة ، وإنما تحصل الخبرة بمعاناة التجربة ومزاولتها.

·   إن الخبرة  أيها الآباء لا تأتي إلا من التجربة فأشركوا الشباب في حياتكم, وأعطوهم الفرصة للإنتاج والعمل, ولنا الأسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلَّف أسامة بن زيد رضي الله عنهما بقيادة جيش فيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما , ولما صدر منه الخطأ في قتل الرجل الذي شهد أن لا إله إلا الله عاتبه الرسول صلى  الله عليه وسلم ، ولم يطعن ذلك في إمارته, فاصبروا على عثرات الشباب , واسعوا في إصلاحها ، وأدخلوهم الحياة بالعمل والزواج ، واستعينوا بالله فهو خير مُعين.