الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإقتصادية والسياسية @ 2ـ صور من واقع المسلمين المنحرف


معلومات
تاريخ الإضافة: 6/10/1427
عدد القراء: 1232
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله الذي بيده الخيرُ وإليه المشتكى, لا ملْجَأَ ولا منْجى منه إلا إليه, يسمعُ الشكوى, ويرفع البلوى. يُطاعُ فيشكُر, ويُعصى فيصْبِر, نِعَمَهُ على الخلق نازلةٌ, وجرائمُهُم إليه صاعدةٌ. لو يؤاخِذُهم بما كسبوا لعجَّلَ لهُمُ العذاب, ولكن فضلَهُ أعظم, ورحمتَهُ أوسع. فتح باب التوبة للمذنبين, وأجزلَ العطاءَ للصالحين. الحسنةُ عندَهُ بعشرِ أمثالها, إلى سبعمائةِ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة, والسيئةُ عنده بواحدة, فإن شاءَ غفرَ وعفا, وإن شاء عذَّبَ وحاسب. نحمَدُهُ سبحانه وتعالى على نعَمِهِ كلِّها, قديمِهَا وحديثـهَا, ونسألُهُ من فضله العظيم, وكرمِهِ الواسع أن لا يحرمَنا ما عنده بسوء ما عندَنا, وأن لا يؤاخذَنا بما يفعلُهُ السفهاءُ منا. اللهمَّ إنا نعوذ بك من شرورِ أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, ومن قبيحِ أخلاقنا, ونشهدُ أنه لا إله إلا الله, وحده لا شريكَ له, ونشهدُ أن محمداً عبده ورسوله, أتقى البرية أجمعين, ورسولُ ربِّ العالمين, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.   أما بعد:

فاتقوا الله عبادَ الله, وارجو اللهَ تعالى واليومَ الآخرَ, ولا تعثوا في الأرض مفسدين, فإن الله تعالى لا يحبُ الفساد ولا المفسدين, ولا الفسقَ ولا الفاسقين, ولا الظلم ولا الظالمين, وإذا كثرَ الخبثُ في أمَّةٍ, فقد استحقوا غضبَ الله تعالى, حتى يُؤخذَ الصالحُ بالطالح, والمستقيمُ بالمعْوج, والطيبُ بالخبيث, كما قال الله تعالى محذِّراً هذه الأمَّةَ في كتابه العزيز: ) وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (. وفي الصحيحين عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فَزِعاً يقول: » لا إله إلا الله, ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب, فُتِحَ اليومَ من ردمِ يأجوجَ ومأجوجَ مثلُ هذه – وحلَّق بأصْبَعِهِ الإبهام والتي تليها- فقالت زينب بنت جحش رضي الله عنها: يا رسول الله أنَهْلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثُرَ الخبث«.

أيها المسلمون: لقد خصَّ اللهُ تعالى هذه الأمَّةَ الإسلاميةَ بفضائلَ عظيمةٍ, وآلاء جسيمةٍ, حتى رفع مكانها, وأظهرَ سلطانَها, وأعزَّ جنابهَا, ومكَّنَ لها في الأرض, حتى دانت لها الدنيا, فكانت بحقٍ أمَّةَ القيادةِ والسيادة. أسبغَ عليها من النعم الكثير, وفتحَ لها من الكنوز ما هو عظيم, حتى أصبحت منبعَ الخير, وعلمَ الهدى, ونورَ الدنيا. فاهتدى بنورِهَا الضالون, واستبصرَ بهداها الغافلون, واستبانَ بحُجَّتها الحائرون. فكم من ضالٍ اهتدى بها, وكم من غافلٍ استبصر بها, وكم من حائرٍ تبيَّن بها.  وفي هذا يقول الله تعالى مُبيناً مكانة هذه الأمةِ بين الأمم: ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّـتَـكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ (, ويقول عن خيرها وفضلها: ) كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ (، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان فضل هذه الأمَّةِ ومكانَتِهَا: »بشِّر هذه الأمةَ بالسَّنا والنصر والتمكين«, ويقول: »نحنُ الآخِرونَ الأولونَ يومَ القيامة, ونحنُ أولُ من يدخلُ الجنة«, ويقول أيضاً: »نحن الآخِرونَ من أهل الدنيا، والأولونَ يومَ القيامةِ، المقضي لهم يومَ القيامةِ قبلَ الخلائق«, وفي رواية أخرى يقول: »نحنُ الآخِرونَ السابقون يوم القيامة«, ويقول عليه الصلاة والسلام في بيان قيامِ هذهِ الأمَّةِ على الناس: »الملائكةُ شهداءُ الله في السماء, وأنتم شهداءُ الله في الأرض«, ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن عظيم ما خصَّ اللهُ تعالى به هذه الأمَّةَ من جزيلِ الثوابِ دون سائرِ الأممِ حيث يقول: »إنما بقاؤكم فيمنَ سلفَ قبلكم من الأمم كما بين صلاةِ العصرِ إلى غروبِ الشمس, أُوتيَ أهلُ التوراةِ التوراةَ فعملوا بها حتى انتصفَ النهار, ثم عَجَزَوا, فأُعطوا قيراطاً قيراطاً. ثم أُوتيَ أهلُ الإنجيلِ الإنجيلَ, فعملوا إلى صلاةِ العصرِ, فعَجَزَوا, فأُعطوا قيراطاً قيراطاً. ثم أُوتينا القرآنَ, فعملنا إلى غروبِ الشمس, فأُعطينا قيراطينِ قيراطين, فقال أهل الكتابين: أي ربَّنا, أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين, وأعطيتنا قيراطاً قيراطاً, ونحن كنَّا أكثرَ عملاً ؟ قال الله عز وجل: هل ظلمتُكُم من أجرِكُم من شيء؟ قالوا: لا, قال: فهو فضْلي أُوتيه من أشاء«،  ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما خصَّ اللهُ تعالى به هذه الأمَّةَ من الفوز والنجاة يوم القيامة: »أهلُ الجنَّةِ عشرونَ ومائَةُ صفٍ, ثمانونَ منها من هذه الأمَّةِ, وأربعونَ من سائرِ الأمم«،  وقال عليه الصلاة والسلام مرةً لأصحابه: »أترضون أن تكونوا رُبُعَ أهلِ الجنة؟ قلنا: نعم, قال: أترضونَ أن تكونوا ثلث أهلِ الجنة؟ قلنا: نعم, قال: والذي نفسُ محمدٍ بيده, إني لأرجو أن تكونوا نصفَ أهلِ الجنَّةَ, وذلك: أنَّ الجنة لا يدخُلُها إلا نفسٌ مسلمة, وما أنتم في أهلِ الشركِ إلا كالشعرةِ البيضاءِ في جلدِ الثور الأسود, أو كالشعرةِ السوداءِ في جلدِ الثورِ الأحمرِ«.

أيها المسلمون: أيَصِحُّ أن يخصَّ الله تعالى هذه الأمَّةَ بكلِّ هذه الفضائل, وأن يرفعها إلى هذه المكانة, وأن يختارها للقيادةِ والسيادةِ: ثم هي اليوم في ظلِّ العولمةِ المتسلِّطةِ, وتحتَ سلطانِ الأمم الكافرة يُراد لها أن تعيشَ بغير ثقافتها, وتحيا بغير عقيدَتِها, وأن تموتَ في سبيل غيرها, وترضى بالدنيةِ في دينها, وبالذُّلِ في كرامتها, وبالمهانة في عزَّتها. فعقيدَتُها يلُوكُها الملاحدةُ والمرتدون, وشريعتُهَا ينالُ منها الظالمون, وأرضُهَا يطؤُهَا الكافرون. فدينُ الأمَّةِ مُستباحٌ مغلوب, وحُرمة نفسِ المسلمِ مُنتهكةٌ مُهْدرة, وعقلُهُ معطَّلٌ مشلول, ونسلُهُ ضائعٌ مخدوع, ومالُهُ ملوثٌ منهوب.

أيها الإخوة: ماذا بقيَ للأمةِ من دينها بعد أن حُرمتْ من رحمةِ شريعتها, وأصبحت تسمع من الملحدينَ عبر الأثير مسبَّةَ دينها, واستنقاصَ شريعتها, والاستهزاءَ بعقيدَتِها. ثم ماذا بقيَ للأمَّةِ من حرمةِ شعوبها, وعزَّةِ أوطانها: بعد أن وطِئَها المستعمرون, وغزاها الملحدون. وماذا بقي للأمةِ من عقولِ رجالِهَا بعدَ أن أنْهكَتْها الخمورُ والمخدراتُ, واستحكمت فيها التوافِهُ والمُحقَّرات. ثم ماذا بقيَ للأمَّةِ من شبابِهَا بعد أن غزاهُ الإعلام بالصورةِ الخليعةِ, والكلمةِ الحقيرة, والنَّغَمَةِ الماجنة. وبعد ذلك ماذا بقيَ للأمة من قوتِهَا الاقتصاديةِ, بعد أن تلوثت ثرواتُهَا بالمحرمات, ونُهبتْ أموالُها بالخِداعات, وانتُهكت حقوقُهَا بالاحتكارات, حتى ما عادت تجدُ ملاذاً تلوذُ به من ظلم المنظماتِ العالميةِ المُحتكرةِ, وقوانينِهَا الجائرة. فلا تَجدُ وسيلةً مشروعةً تُنتجُ بها, ولا تجد سوقاً رائجةً تبيعُ فيها, وإنما قضاؤها أن تحيا ذليلةً فقيرةً بائسةً, في ظلِّ النظامِ العالمي الجديد, ضمن ما يُسمَّى بالعالم الثالث, أو الدول النامية.

أيها المسلمون: أوَ يُعْقَلُ أن يكون هذا قضاءَ الأمة وهي مُتمسِّكَةٌ بدينها, عاملةٌ بكتاب ربها, مهتديةٌ بسنةِ نبيها صلى الله عليه وسلم؟ إن هذا لا يمكن أن يكون؛ فإنَّ وعدَ الله تعالى لا يتخلَّفُ, ونصرُهُ قريب. وإنَّما ذلك حين تغيِّرُ الأمةُ ما بنفسها من الزيغِ والضلال, فترجعُ إلى الحقِ والهدى. حين تكونُ عقيدَتُها أغلى ما عندها, حتى تستعذِبَ الموتَ في سبيلها, وتكونَ أخلاقُهَا منهجَ حياتها, فلا تعرفُ من السلوكِ إلا ما يُحبُّهُ ربُّهَا, ولا تعرفُ من المعاملاتِ إلا ما يُقرُّه خَالِقُها، وعند ذلك فقط تنتظرُ مدَدَ الله تعالى, ونصرَهُ وتمكينَهُ.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ) إِنَّ اللَّـهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّـهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّـهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُــوا الصَّلاةَ وَآتـَـوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْـمَعْرُوفِ وَنَهَـوْا عَنِ الْـمُنكَـرِ وَللَّـهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله تعالى لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله مُقدِّر الأقدار, ومقلِّبِ الليلِ والنهار, العالِمُ بالخفايا والأسرار, أحمده وأشكرهُ، توحَّدَ بالملكِ والملكوت, وتفرَّد بالعظمةِ والجبروت, لا إله إلا هو الإله الحق المبين. أما بعد:

فاتقوا الله عبادَ الله, وبادروا بالأعمال الصالحةِ قبل وقوعِ الفتنِ المظلمةِ التي يتقلَّبُ فيها الرجلُ بين الإيمانِ والكفر, فيصبحُ مؤمناً, ويُمسي كافراً, ويُمسي كافراً ويُصبحُ مؤمناً, حين يكونُ الدين أهونَ شيء عنده, فلا يبالي أن يبيعهُ بعَرَضٍ من الدنيا.

أيها الإخوة : بادروا بالأعمال الصالحةِ قبل أن يُدْرِكَكُم ما أخبرَ به الرسول صلى الله عليه وسلم من عظائِمِ الأمورِ في آخرِ الزمان؛ فإنَّ عافيةَ هذه الأمَّةِ كانت في أوَّلها, وأما آخِرُهَا فسيُصيبُها بلاءٌ عظيمٌ, وأمورٌ منكرةٌ, فقد قال عليه الصلاة والسلام: »لا تقومُ الساعةُ حتى تلحقَ قبائلُ من أمتي بالمشركين, وحتى تعبدَ قبائلُ من أمتـي الأوثــان«, وقال أيضاً: » لا يذهبُ الليلُ والنــهارُ حتى تُعبــدَ اللاتُ والعُزَّى «, وقــال أيضاً: » ليكوننَّ من أمتي قومٌ يستحِلُّون الحِرَ (يعني الزنا) والحريرَ, والخمرَ, والمعازفَ «, وقال أيضاً: »ليأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذوَ النعل بالنعل, حتى إنْ كان منهم من أتى أُمَّهُ علانيةً ليكوننَّ من أمتي من يصنعُ ذلك«، وقال أيضاً: » كيف بكم إذا فسق فتيانُكم, وطغى نساؤُكُم؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال: نعم, وأشدُّ, كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروفِ ولم تنهوا عن المنكرِ؟ قالوا: يا رسول الله, وإن ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأشدُّ, كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر, ونهيتُمْ عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال : نعم، وأشدُّ, كيفَ بكم إذا رأيتم المعروفَ منكراً, والمنكرَ معروفاً ؟ «.

أيها الإخوة المسلمون : اعلموا  أنَّ صغائِرَ الذنوبِ طريقٌ إلى كبائِرِهَا, وأنَّ كبائِرَ الذنوبِ طريقٌ إلى الشرك والكفر, فإنَّ العبدَ لا يقترِفُ الكبائرَ حتى يعتادَ الصغائِرَ, فإذا اعتادها أظلمَ قلبُهُ, وهانَ عليه دينُهُ, وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: »تُعرضُ الفتنُ على القلوب كالحصير عوداً عوداً (يعني مرةً بعد مرة) فأيُّ قلب أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نُكتَةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بيضاء، حتى تصيرَ على قلبين : أبيضَ مثلِ الصَّفا, فلا تضرُّهُ فِتنةٌ ما دامتِ السماواتُ والأرضُ، والآخر: أسودَ مُـرْبادَّاً (يعني مُغبرَّاً) كالكـوزي مُجَخِّياً (يعني كالإناءِ المنكــوس) لا يعرفُ معروفاً, ولا يُنْكِرُ منْكراً إلا ما أُشربَ من هواه «.

فاتقوا اللهَ عباد الله, واحذروا الذنوبَ جميعَها صغيرَهَا وكبيرَهَا, فذاكَ طريقُ التقوى, وصلوا وسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّ اللهَ أمرَكم بذلك.