الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإجتماعية @ 4ـ الصبر على أذى الناس


معلومات
تاريخ الإضافة: 20/9/1427
عدد القراء: 3136
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

·   لا يشكُّ أحدٌ أنَّ خير ما يُرزق به العبد بعد الإيمان بالله: هو حُسن الخلق, فهو شطر الدين, وثمرة مجاهدة المتقين.

·        ولا شك أيضاً أن أقبح ما يتلبَّس به الإنسان بعد الشرك والعياذ بالله هو: سوء الخلق, وقبيح السلوك.

·        ولئن كانت الأخلاق الحسنة أبواباً مفتوحةً إلى الجنة, فإن الأخلاق السيئة أبوابٌ مفتوحة إلى النار.

·   إن الأخــلاق السيئـــة هي أمراض القلوب, وأسقام النفوس, ولا شك أن مرض القلب أعظم وأخطر بكثير من مرض البدن.

·   وذلك لأن غاية مرض البدن الموت, وأما غاية مرض القلب فوات حظوظ الآخرة, وهذا أعظم بمراحل من هلاك البدن.

·   ولهذا لما سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشؤم ؟ قال: »سوء الخلق«, وسُئل: »ما خيرُ ما أُعطي العبد؟ قال: خلقٌ حسن«.

·   ولهذا كان حُسْنُ الخلق صفةً لازمةً لأنبيـاء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام , حتى بلغت كمالهــا المطلـق في شخص محمد صلى الله عليه وسلم , ) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (.

·   أيها المسلمون : حُسنُ الخلق قسمان, الأول: مع الله, وهو أن يرضى العبد عن ربِّه على كلِّ حال, فلا يسخط على قضاء قضاه, وقدر قدَّره، مع دوام الشكر والحمد.

·        وأما الثاني: فهو مع الناس, وجماع ذلك بذل المعروف قولاً وفعلاً, وكفُّ الأذى قولاً وفعلاً.

·   يقول الرسول صلى الله عليه وسلم  في فضل حسن الخلق: » إن المؤمن ليدركُ بحسن خلقه درجة الصائم القائم «.

·   وأما حقيقة حُسن الخلق مع الناس فقد عبَّر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم  فقال: » أن تصل من قطعك ، وتُعطي من حرمك، وتعفوَ عمن ظلمك « ، وما أشدَّ هذه : أن تُحسن لمن أساء إليك.

·        ويقول الحسن البصري: »حُسن الخلق: بسط الوجه ، وبذل الندى، وكفُّ الأذى «.

·   أيها المسلمون : إن علامات حُسن الخلق كثيرة, إلا أن أوضحها, وأعلاها, وأشدَّها: الصبر على الأذى من الناس.

·   بمعنى أنه يستطيع أن يردَّ عن نفسه الأذى من الآخرين ، فيقابل الإساءة بالإساءة ، ولكنه يتحمل أذاهم لوجه الله, ولا يرد على المسيئ.

·   فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يضربه قومه, ويُؤذونه, ثم يرفع يديه يدعو لهم: »اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون«، وكان بمقدوره أن يدعوَ عليهم، فيردُّ عن نفسه ، ولكنه عليه الصلاة والسلام يختار الصبر على الأذى.

·   ويجذبه الأعرابي من ردائه, حتى يؤثر في صفحة عنقه, فلا يعاتبه, بل يلتفت إليه وهو يبتسم, ويُعطيه ويُكرمه.

·   ويدخل أحدهــم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول: هي يا ابن الخطاب, فو الله ما تُعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل, فيتركه عمر ولا يرد عليه بكلمة ، حين علم أنه من الجاهلين.

·   دخلت جارية لقيس بن عاصم وفي يدها طبق فيه نار وعليه شواء, فسقط منها الطبق على طفلٍ لقيس فمات, فدُهشت الجارية , وخافت على نفسها العقاب، فلما رأى قيسٌ ما بها من الفزع قال: »لا روع عليك, أنت حرةٌ لوجه الله «.

·   ورُوي أن علياً رضي الله عنه دعا غلاماً له فلم يجبه، فقام فرآه مضطجعاً فقال: »أما تسمع يا غلام ؟ قال : بلى ،  قال : فما حملك على ترك إجابتي ؟  قال: أمنت عقوبتك فتكاسلت ،  فقال: امضِ  فأنت حرٌ لله تعالى «.

·   مرَّ أبو عثمان الحيري بطريق ضيِّـقة بين البيوت فطُرح عليه رماد، فنزل عن دابته وسجد لله شكراً، وأخذ ينفض الرماد عن ثيابه، فقيل له ألا تعاتبهم ؟ فقال: »إن من يستحق النار فصُولح على الرماد لم يجزْ له أن يغضب «.

·   ومن عجائب صبره على الأذى من الناس، أن رجلاً أراد اختبار خُلُقه فدعاه إلى منزله فلما جاء أبو عثمان ردَّه، فمضى، ثم دعاه مرة أخرى ، فلما جاء ردَّه ، وهكذا يفعل به ثلاثاً، وأبو عثمان على صبره، فقام الرجل واعتذر إليه ، وأخبره أنه إنما كان يختبره في صبره ، فقال أبو عثمان: » إن الذي رأيت مني هو خُلق الكلب، إن الكلــب إذا دُعــيَ أجاب ، وإذا زُجــر انزجــر« ، يقــول ذلك رحمه الله - تواضعاً منه.

·   أخذ أحدهم يتبع الأحنف بن قيس ويشتمه، و الأحنف لا يرد عليه، حتى إذا قرُبا من حي الأحنف قال له: » يا هذا إن بقيَ في نفسك شيء فقله ، كي لا يسمعك بعض سفهاء الحي فيؤذونك« .

·   فقيه من الفضلاء معه صرَّة فيها مالٌ له ، فجاء لصٌ فانتشلها منه خلْسة ، وهرب بها فأخذ الفقيه الفاضل يجري وراءَه ، ليس ذلك لاسترداد المال ، ولكن ليهبها له حتى لا يقع في الذنب ، فأخذ يقول له : » قد وهبتك إياها قل قبلت «.

·   غضبت امرأة مالك بن دينار عليه يوماً فقالت له: » يا مرائي، فقال: يا هذه وجدت اسمي الذي أضلَّه أهل البصرة «.

·        كان ليحيي بن زياد الحارثي غلام سوء ، فقيل له : »لم تُمسكه, فقال: أتعلَّمُ الحِلم عليه «.

·   أيها المسلمون : ولئن كان هذا صبر المخلوق، فإن صبر الله جلَّ وعلا شيء عظيم ، لايمكن تصوُّره ،  فليس أحدٌ أصبر من الله، يدَّعون له الولد، ويسبونه ، ومع ذلك يرزقهم ويعافيهم.

^   ^   ^

·   أيها الإخوة المسلمون : إن الوقوف على عيوب النفس أمرٌ عسير، وأعسر منه وأصعب علاجها وتخليصها من عيوبها ، وإذا أراد الله بعبد خيراً :عرَّفه عيوبه ، وأعانه على إصلاحها.

·   إلا أن واقع الناس يجهلون عيوبهم، ولا يريدون أن يعرفوها،  وليس عندهم استعداد لإصلاحها، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة وسلمان الفارسي رضي الله عنهما عن عيوبه ليصلحها.

·   لو نبَّهنا أحدٌ على عقرب في ملابسنا، أو حيَّهٍ تحت قدمنا لشكرناه، ولو نبَّهنا على عيب خلقي فينا لعاتبناه ولزجرناه ، مع أن العيوب الخُلُقية أشدُّ ضرراً علينا في ديننا ودنيانا من العقارب والحيات.

·   إن المسلم المجاهد لنفسه يعيش اليوم بين شخصين، بين حاسد مُغرِضٍ يرى ما ليس بعيب عيباً، وبين صديق مُداهنٍ يُخفي عنه عيوبه.

·   إن معالجة النفــس أمر عســير وشاق ، فقد قال ســفيان الثوري: » ما عالجت شيئاً أشدَّ عليَّ من نفسي، مرة لي مرة عليَّ «.

·   سُئل الجنيد: » متى يصير داء النفس دواءَها ؟ قال : إذا خالفت النفس هواها « ،ولهذا ما بلغ الفضلاء ما بلغوا من الرفعة والمكانة إلا بمخالفة الهوى.

·        اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت، وأصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.