الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الأخلاقية @ 13ـ خطر المعاصي على الفرد والمجتمع


معلومات
تاريخ الإضافة: 12/9/1427
عدد القراء: 4337
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

     إن الناظر في تاريخ الإنسان الطويل ، عبر أحقاب الزمان الماضية يجد أن سبب الهلاك والدمار والبلايا هي المعاصي التي يقع فيها الناس ، والجرائم التي يقترفونها.

     فهذه المصائب التي أصابت الأقوام السابقة من : الخسف ، والزلازل، والريح والإغراق, وضيق الأرزاق, والأمراض: ليست إلا نتائج لما عملت أيدي الناس من المنكرات والموبقات, التي أحلت بهم عقاب الله تعالى, ) فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُــمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( ، ) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (.

            إن هذه النتيجة الحتمية لا بد منها لكلِّ أمة تعصي ربها وتخالف أمر رسله.

            أيها المسلمون : إن مبدأ الوقوع في الخطأ والمعصية ليس بغريب على الطبيعة الإنسانية, فكلُّ ابن آدم خطاء.

            وإنما الغريب هو الإصرار والمجاهرة, والاستباحة للحرمات, والتعليل لها, وترك التوبة والاستغفار.

     وفي الحديث: » كلُّ أمتي معافىً إلا المجاهرين, وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليـــــل عملاً ، ثم يصبح وقد ستره الله ، فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا «.

     إن المجاهرة بالمعصية دليل الاستخفاف بحدود الله تعالى ، والتهاون بها , والله تعالى يقول: ) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ (, ويقول: ) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (.

     إن من طبيعة المؤمن أنه يستعظم الذنب الذي وقع فيه, حتى وإن كان صغيراً ؛ لأنه ينظر إلى من عصى, وليس إلى صِغَرِ الذنب.

            وقد قال أحدهم: » لا تنظر إلى صغر الخطيئة ، ولكن انظر إلى من عصيت «.

     قال الفضيل بن عياض: » بقدر ما يصغُرُ الذنب عندك يعظُم عند الله, وبقدر ما يعظُم عندك يصغُرُ عند الله «.

     إن من طبيعة المؤمن استعظامه لذنبه, فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه : » إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه, وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه «.

     وقد كان السلف يعظِّمون أمر الذنوب كبيرها وصغيرها كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه : » إنكم لتعملون أعمالاً هي أدقُّ في أعينكم من الشعر ، إن كنا لنعدُّها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الموبقات «.

     أيها المسلمون : اعلموا أن المحرمات حدود الله تعالى, والحمى الذي نهى القرب منه، وفي الحديث: » إن لكلِّ ملك حمى ، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمُهُ «.

            وفي الحديث أيضاً : » إن الله يغار وإن المؤمن يغار, وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه «.

     أيها المسلمون : إن للمعصية شؤماً يلحق بالعصاة, يقول ابن عباس رضي الله عنهما : » إن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمة في القلب ووهناً في البدن، ونقصاناً في الرزق ، وبغضاً في قلوب الخلق «.

            ويقول سليمان التيمي: » إن الرجل ليصيب الذنب في السحر فيصبح وعليه مَذَلَّتُهُ «.

     أيها المسلم : لا تنظر في الذنب صغيراً أو كبيراً ، وتجنب كلَّ ذلك، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: » ما نهيتكم عنه فاجتنبوه, وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم «، وقال أيضاً: » اتقِ المحارم تكن أعبد الناس «.

     اعلموا أيها المسلمون أن أدنى مراتب التقوى: القيام بالواجبات وترك المحرمات ، وفي الحديث قال النعمان بن قوقل للرسول صلى الله عليه وسلم: » أرأيت إذا صليت المكتوبة ، وحرمت الحرام، وأحْللت الحلال ، أأدخل الجنة ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم «.

            فالقيام بالواجبات ، وتجنُّب المحرمات : أقل مراتب التقوى ، وأول منازل الولاية.

·   فاتقوا الله أيها الناس ، واعلموا أنه لا كبيرة مع الاستغفار والتوبة، ولا صغيرة مع الإصرار والاستخفاف والمجاهرة.

^   ^   ^

     لما فتح الله على المسلمين قبرص, وأخذوا يوزِّعون الغنائم والسبايا والأطفال بكى أبو الدرداء رضي الله عنه ، فأنكر عليه جُبير بن نُفير، وقال: » ما يُبكــــــيك في يوم أعزَّ الله فيه الإســــلام وأهله؟ فقال أبو الدرداء: ويحك يا جُبير ما أهونَ الخلق على الله عزَّ وجل إذا أضاعوا أمره, بينما هي أمةٌ قاهرة ظاهرة لهم المُلك, تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى «.

     ولما زار عمر مكة وقف يعظ أهلها فقال: » يا أهل مكة : اتقوا في حَرَمكم هذا ،  أتدرون من كان ساكِنَ حَرَمكم هذا من قبلكم ؟ كان فيه بنو فُلان فأحلوا حرمته فهلكوا , وبنو فُلان فأحلوا حرمته فهلكوا ، حتى عدَّ ما شاء الله, ثم قال: والله لأن أعمل عشرَ خطايا بغيره أحبُّ إليَّ من أن أعمل واحدة بمكة «.

     أيها المسلمون : إن كلَّ واحد منا معنيٌ بهذا التوجيه, فاتقوا الله في أنفسكم ، واحذروا المعاصي كبيرها وصغيرها فذلك نهج التقوى.