الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الروحية @ 8ـ الأزمة الروحية المعاصرة


معلومات
تاريخ الإضافة: 12/9/1427
عدد القراء: 2070
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

·   لما أراد الله أن يخلق الإنسان على نمط يختلف عن باقي المخلوقات: أمر جبريل عليه السلام أن يقبض قبضة من تراب الأرض.

·   فقبض جبريل عليه السلام قبضة من جميع جوانب الأرض، من سهلها وجبلها، حتى جاءت القبضة على ألوان وأخلاق وأشكال بني آدم.

·        وإلى هذا الحد فإن الإنسان لا يعدو أن يكون مخلوقاً من المخلوقات كسائر الحيوان حتى أمر الله بنفخ الروح فيه.

·   فإذا بهذه النسمة العجيبة التي سرت فيه من الملكوت الأعلى أعطته كلَّ هذا التميز والشرف على باقي المخلوقات.

·   ثم أصبحت سنة الله في خلق الإنسان أن يبدأ نشأته من ماء مهين هو من مكونات الأرض, ثم يأتيه الملك فينفخ فيه الروح.

·   فالإنسان بناء على هذا يحمل طبيعة مزدوجة, ظاهرها مادي من مكونات هذه الأرض, وباطنها روحي من الملكوت الأعلى.

·   ولهذا عندما يموت الإنسان يذهب كلُّ عنصر منه إلى أصله, فالبدن يذوب في الأرض, والروح تعود إلى بارئها فيأمر بها حيث يشاء.

·   وبناء على هذا الفهم فإن الإنسان مزدوج الكيان, يجمع في تكوينه بين الروح والمادة، فكان واجباً عليه أن يسعى في صلاح جانبيه الروحي والمادي.

·        فأما صلاح البدن فبالغذاء والدواء واللباس والرياضة ونحوها مما عرفه الناس من شروط الصحة البدنية.

·        وأما صلاح الروح بصفائها وانشراحها وطهارتها وإشراقها، فلا طريق إلى ذلك إلا بالوحي من عند الله تعالى.

·   فالإنسان من خلال تراكم الخبرات والتجارب يستطيع أن يعرف وسائل إصلاح بدنه, وأما صلاح روحه فلا سبيل إليه إلا عن طريق الرسل عليهم السلام.

·   وقد كلَّف الله تعالى الرسل عليهم السلام بتزكية الناس وتربية أرواحهــــم, كما قال تعالى في حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم : ) هُوَ الَّذِي بَعَـثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ (.

·        فالطريق إلى إصلاح الأرواح وتزكية النفوس مغلقة إلا عن طريق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

·   ولما كانت طاعة الأنبياء غير تامـــة عند غالب الأمم, كما قال تعالى: ) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (: ظهر في الناس الجفاف الروحي, وعمَّت غالب الخلق أزمة روحية, ولا سيما في هذا العصر الذي استفحلت فيه القيم المادية, وضعفت فيه القيم الروحية.

·   ورغم ما حقَّقَه الإنسان اليوم من انتصارات مادية كبيرة , فإنه يعيش أزمات روحية قاسية, لا يعرف لها علاجاً ولا مخرجاً.

·   فالأبدان قد شبعت من الرفاهية والتقدم المادي, وأما الأرواح فإنها قابعة في حمأة مظلمة, تتعطش إلى غذائها وراحتها.

·   وقد ظن البعض أن مزيداً من الرفاهية المادية يمكن أن تغني عن التربية الروحية، فما ازدادوا بالرفاهية إلا ضلالاً وخبالاً وأزمة.

·   ولما أيقن الإنسان المعاصر بحاجته إلى التربية الروحية: أخذ يبحث عنها في الديانات الماضية الباطلة: البوذية والهندوسية ونحوهما .

·   وقد خاض جمع من الناس في هذه الديانات الباطلة بحثاً عن الخلاص من أزماتهم الروحية, فما وصلوا إلى شيء.

·   نعم، ما وصلوا إلى شيء، ولن يصلوا إلى شيء؛ لأن منهج إصلاح الأرواح لا يأتي من خلال خبرات الشعوب، وإنما يأتي من خلال الوحي.

·   وليـس لدى البشريـــة اليوم وثيقــة صادقــة صالحة من وحي الله إلا ما حفظه الله عند المسلمين من علم الكتاب والسنة.

·   فالمنهج الذي تزكَّت به نفوس السلف الصالح هو عين المنهج الذي بين أيدينا, كما هو ، لا يزال غضاً طرياً كما أُنزل، بصفائه ونقائه.

·   فلماذا يتيه عنه الحائرون في هذا العالم ؟ إنهم لا يثقون فيه بسبب واقع المسلمين المعاصر، وانحرافاتهم وتخلُّفهم.

·   ولا ينبغي استغراب ذلك فقد تاه عن هذا المنهج الحق جمع كبير من أبناء المسلمين، حين  توجهوا -يبحثون عن راحة أنفسهم- نحو: المخدرات, والطرب, والخمر, والانتحار, عندما يشعر أحدهم بضيق في نفسه فلا يعرف كيف يعالج روحه.

·        فإذا كان ابن المسلم المصلي يتيه عن دينه الحق فكيف باليهودي والنصراني ؟

·        فاتقوا الله أيها الناس واعرفوا قدر دينكم, وما أنعم الله به عليكم, وحَرَمَ غيرَكُم.

^   ^   ^

·   أيها المسلمون : إن استفحال المادية يحتِّم علينا إبراز الروحانية في صفائها ونقائها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

·        إن من الضروري أن نتيقَّن أن السعادة لا يمكن أن تتحقق للفرد دون الحياة الروحية الصحيحة.

·   ثم إن حياة الفجور واللهو والانحراف والمجون ليست إلا صورة من صور ضياع الحياة الروحية واضمحلالها وضعفها.

·        أيها المسلمون : إن الاستمتاع بالروحانية الحقَّة لا يتم إلا من خلال سلامة العقيدة، وصحة العبادة.

·   فإذا سَلِمت العقيدة وصحَّت العبادة: لابد بعد ذلك -  من الإكثار من النوافل: الصلاة, الزكاة, الصدقة ونحوها من العبادات.

·   فإذا اقتنع العبد بهذه النوافل فإنه لابد لهذه النوافل من المداومة عليها، وعدم الانقطاع, وفي الحديث : » أحب الأعمال إلى الله : أدومها وإن قل «.

·   فإذا داوم عليها العبد, وأصبحت جزءاً من حياته: فليحذر المعاصي؛ فإنها نُكَتٌ تقع على القلب حتى تعلوه, فإذا وقع في خطأ : استغفر وأناب حتى يُصقل منها, فإذا كان كذلك فقد نال نصيبه من التربية الروحية.

·        فاحرصوا أيها المسلمون على زكاة نفوسكم، وانشغلوا بها فإنها مسؤولية الجميع الأولى.