الصفحة الرئيسة @ الخطب المكتوبة @ التربية الإيمانية @ 15ـ مقام الشكر


معلومات
تاريخ الإضافة: 12/9/1427
عدد القراء: 9558
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

·   لا يزال المؤمن يتقلَّب في سيْره إلى الله بين مقامات العبودية: من الإخلاص, والتوكل, والمراقبة , والصبر, والرضى ونحوها.

·       فلا يزال المؤمن عابداً لله, متذللاً له, خاضعاً لمراده, لا ينفك عن ذلك حتى الممات.

·   وإن من أعظم مقامات العبودية لله تعالى: مقام الشكر, الذي أمر الله تعالى عباده به فقال: ) وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ (.

·       وقال سبحانه وتعالى: ) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (.

·   وقد توعَّــد الله الكافرين بالنعـم بالاســــــتدراج, كما قال تعالى : ) سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ( ، قال سفيان الثوري في تفسير هذه الآية: »نُسبغُ عليهم النعم, ونمنعُهُم الشكر «, وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: »إذا رأيت الله عز وجل يُعطي العباد ما يشاؤون على معاصيهم إياه, فذلك استدراجٌ لهم منه «.

·       وقال الحسن البصري: » إن الله عز وجل ليمتِّعُ بالنعمة بما شاء, فإذا لم يُشكر قلبها عذاباً «.

·   وقال أبو حازم: » إذا رأيت الله عز وجل يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره «, أي انتبه من انتقامه.

·       ولهذا يقول عمر بن عبد العزيز:  » قيدوا النعم بالشكر«, أي حافظوا على النعم بشكر المنعم.

·   أيها المسلمون: لن ينقطع المزيد من الله ما لم ينقطع الشكر, وكلُّ نعمة لا تقرِّب من الله فهي بلية, والمسلم على خير مادام بين أمرين, بين نعمة يشكرها, وبين ذنب يستغفر منه, ومن شكر فإنما يشكر لنفسه.

·   أيها المسلمون : ولئن كان الصبر نصف الإيمان, فإنَّ الشكر نصفَهُ الآخر, وأفضل ما أُعطيَ العبد : لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً.

·       وقال مطرف بن عبد الله في فضل الشكر: » لأن أُعافى فأشكرَ, أحبُّ إليَّ من أن أُبتلى فأصبر « .

·   إن حقيقة الشكر: هو الشعور بالعجز عن شكر النعمة, فالعجز عن الشكر هو عين الشكر, فلا ترى نفسك أهلاً للنعمة.

·   قال موسى عليه السلام : » يا رب كيف لي أن أشكرك, وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يُجازى بها عملي كلَّه ؟ قال : فأتاه الوحي: أن يا موسى الآن شكرتني « ؛ يعني حين شعرت بالعجز عن الشكر أمام نعم الله تعالى فقد شكرت.

·   إن من مستلزمات الشكر : ذكرَ نعم الله تعالى, والتحدُّثَ بها, والرجوعَ بها إلى الله تعالى, فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: » ما أنعم الله عز وجلَّ على عبد نعمة يعلم أنها من عند الله عز وجل إلا كتب الله له شكرها «.

·   إن خير ما قيل في حقيقة الشكر: هو ترك المعاصي, وإلا فكيف يكون العبد شاكراً لله, وهو يعصيه بنعمه.

·   ولقد عرف أهل التقوى والصلاح مقام الشكر فالتزموه, وعملوا بمقتضاه, فهذا نبي الله نوح عليه السلام وصفه ربُّه بأنه كان عبداً شكوراً, ولما قيل لآل داود: ) اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا(، لم يأت على القوم ساعةٌ إلا وفيهم مصلٍ لله تعالى.

·   وكان داود عليه السلام يقول: » إلهي لو أنَّ لكلِّ شعرة فيَّ لسانين يُسبحانك بالليل والنهار ما قضيت نعمةً من نعمك «.

·   وأما حبيب الحق سيد الخلق – صلى الله عليه وسلم - فقد كان شاكراً لله على كلِّ أحواله, فقد جاءه جبريل عيه السلام مرة فقال له: » إنَّ الله يقول لك : من صلى عليك صليت عليه، ومن سلَّم عليك سلمت عليه «, فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم  شكراً لله تعالى.

·   وكان عليه الصلاة والسلام يقوم في صلاة الليل حتى تتفطَّرَ قدماه, فإذا كُلِّمَ في ذلك قال: » أفلا أكون عبداً شكوراً «.

·   قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم مرة سورة الرحمن على أصحابه فاستمعوا له, حتى إذا فرغ قال: » مالي أراكم سكوتاً, للجنُّ كانوا أحسن منكم رداً, ما قرأت عليهم من مرة فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟ إلا قالوا : ولا بشيء من نعمك يا ربِّ نكذِّب «.

·   ولقد كان بعض السلف يجلســــون حتى الصباح ليس لهم حديث إلا ذكر نعم الله تعالى عليهم، لعلهم أن يوفَّقوا إلى شكرها.

·   إن من منَّة الله علينا أن جعل نعمه على العباد على قدره وعظمته, وأما الشكر الذي كُلِّفنا به فعلى قدرنا وحدود استطاعتنا، وهذا من رحمته جلَّ وعلا.

·       فاتقوا الله أيها الناس, واشكروا ربَّكم, فإن بالشكر تدوم النعم, وبالكفر تزول.

^   ^   ^

·   إن العبد لا يكون شاكراً على الحقيقة حتى يخضع لله تعالى, ويُحبَّه حباً صادقاً, ثم يعترفَ له بنعمه عليه, ويُثنيَ بها عليه, ثم لا يستعملَها إلا في رضاه.

·   ولما كان مقام الشكر يستلزم كلَّ هذه الشروط: قلَّ الشاكرون, وكثر الكافرون, فقد قال الله تعالى: ) وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (.

·   إن مما يُعين على الشكر : أن ينظر العبد في النعم لمن دونه, ولا ينظر لمن فوقه, وأن يُكثر من الذكر, فإن الذكر طريق الشكر, وأن يُكثر ذكر النعم التي أنعم الله بها عليه, فإن من كتم النعمة فقد كفرها, ومن ذكرها فقد شكرها.

·   أيها المسلمون : لو أن أحدنا استحضر نعمة الإسلام, حين لم يجعلْه الله يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً, اختاره الله ، واصطفاه من جموع الخلق، ثم استحضر تثبيت الله له على الإسلام فلم يرتدَّ عن دينه, فأيُّ شكر هذا الذي يحتاجه ليوفِّـيَ حقَّ هذه النعمة عليه؟