32- مصالح المرأة في التزامها بالحجاب الشرعي

32- مصالح المرأة في التزامها بالحجاب الشرعي

إن أعظم ما يحققه الحجاب من المصالح هو انسجام المرأة المسلمة مع المطلب الشرعي القاضي بوجوب التستر عند الرجال الأجانب، وهذا في حدِّ ذاته أسمى المصالح، إضافة إلى أنه طهارة للقلب، مما يوقعه الشيطان من تزيين الفواحش، كما أنه تميُّز للمرأة الحرة عن الأمة المملوكة المتبذِّلة، إلى جانب أنه سلوك فطري يرفع المرأة عن مرتبة الحيوان، ويبعث في نفسها عزة المؤمنة القادرة على ضبط شهواتها، والمسيطرة على سلوكها رغم ضغط الحياة الاجتماعية المنحلة ؛ فإن " الحرية الحقيقية هي: أن يسيطر الإنسان على نفسه، وأن يتحكم في شهواته، وأن يُخضع كل ذلك للقيم والمبادئ السامية التي يؤمن بها "، فلا تحسُّ المتحجبة بالمنبوذية، أو الشعور بالنقص؛ فإن موافقة الحق كافية لشعور المؤمن بالأنس وإن كان وحيداً.

كما أن التعرُّف على حال كثير من المجتمعات المعاصرة، وما وصلت إليه من المفاسد العظيمة وتردِّي الأحوال من جرَّاء  نزع الحجاب: يزيد من قناعة المرأة بالتزام الستر، والتحفظ في الملبس، خاصة إذا نشأت المرأة في وسط عائلي يحبذ الحجاب، ويتشدَّد فيه الرجال على أعراضهم وشرفهم، فإنها في الغالب – رغم ما يحتفُّ بها من انحرافات سلوكية وضغوط اجتماعية – تعتاد اللباس الشرعي، وتتشبَّث به، وتقاوم هتْكه بكلقوة.

 ولعل إدراك المرأة الشابة واقتناعها بأنها بذاتها كأنثى: موضع استمتاع للرجال، من جهة البدن والبضع، ومن جهة النظر أيضاً: فإن الأبية منهن تندفع نحو التستر والتَّحجُّب، خاصة إذا علمت أن المرأة المتبرجة المتهتكة لا حرمة لها في الشرع من جهة النظر، وأنها تُعامل عند بعض الفقهاء معاملة الأمة المملوكة.

كما أن المرأة الصالحة تأبى أن يكون بدنها موقع نظر للخائن من الرجال؛ فإنه يستمتع بالنظر إليها، ويتلذذ بذلك تلذذاً عظيماً، قد يصل به إلى حدِّ الإنزال، بل إن بعض الفجرة من شواذ الرجال قد يبلغ قمة استمتاعه الشهواني بمجرد استحواذه على بعض الملابس أو الأدوات النسائية؛ ولهذا منع الفقهاء رحمهم الله من النظر إلى الأجزاء المنفصلة عن المرأة، حتى قلامة ظفرها، أو خصلة شعرها، وذلك سدّاً لمثل هذه المفاسد الخلقية والسلوكية.

ومن هنا فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تُمكِّن الأجنبي من الاستمتاع بها – من هذا الوجه أو نحوه – حتى وإن كان نظره منها إلى الوجه والكفين؛ فإن القول بجواز كشفهما لا يستلزم إطلاق جواز نظر الأجنبي إليهما.

ولعل مما يساعد المرأة المسلمة على الحرص على حجابها: خبر النساء المسلمات حديثاً، وما يعبِّرن عنه من المشاعر الفياضة حين لبسن الحجاب ، وفي هذا تقول الأمريكية جينيفر منصور عن تجربتها الأولى في لبسها الحجاب، وما حصل لها من التردد في أول الأمر؛ لكونها أسلمت حديثاً: " ما أن حسمت ترددي، وأقدمت على ارتداء الزي السابغ، ووضعت الخمار على رأسي حتى فاض شعوري بالحرية والانعتاق، إن هذا الخمار ليس رباطاً مزعجاً كما كنت أتوهم... بل إنه ليمنحني السكينة وهدوء البال التام، ويقطعني عن كل فكرة تمنعني من التركيز فيما أنا بشأنه من الحياة، ويا لها من حرية لم أنعم بها من قبل قط، ويا له من شعور سعيد مزيد بالحرية، لا يكدِّره إلا اقتداري عن التعبير عنه بالكلمات".

إن استيعاب المرأة المسلمة المعاصرة لمثل هذه القضايا ووعيها لها، مع رسوخ الإيمان بوجوب التحجُّب وفرضيته الشرعية : كل هذا يحقق مصلحتها ومصلحة المجتمع، ويساعدها على لزوم التستر، والالتفات إلى البيت، وكره البروز إلا لحاجة لا تستغني عنها، ولا تجد من يكفيها إياها.