18- حاجة الفتاة إلى الترويح

18- حاجة الفتاة إلى الترويح

الفتاة بطبيعتها محتاجة إلى الترويح بمعناه الشامل للعب واللهو ونحوهما من مظاهر الترفيه؛ بغرض راحتها : العقلية، والنفسية، والجسمية، والغريزية، فمع أن الترويح فطرة إنسانية تحتاج إلى إشباع، فإنه مع ذلك حاجة مهمة لكمال نمو شخصية الفتاة، وفهمها لثقافة المجتمع،وإعدادها للعمل الجاد، إلى جانب أهميته في الخروج بالفتاة عن حياة الرتابة المملَّة إلى شيء من التجديد،فإن الإنسان بطبيعته يكره التقييد والتكليف، ويحب الانطلاق والحرية، فشيء من الترويح البريء يمكن أن يحقق للفتاة كل ذلك، ويشبع جانباً مهماً من كيانها الفطري .

وقد أقرَّ الإسلام في منهجه التربوي مبدأ الترويح للفتيات، باعتباره حاجة نفسية، وعقلية، وجسمية،وغريزية, موافقة منه للفطرة الإنسانية السوية، ومراعاة لاهتمامات الفتيات الترفيهية، التي كثيراً ما تنتقل معهن – كحاجة ملحَّة – من مرحلتي الطفولة والمراهقة إلى مرحلة الشباب ؛ فإن السيدة عائشة – رضي الله تعالى عنها – ظلَّت شغوفة بنشاطها الترويحي الخاص، تمارسه مع صواحباتها بجد، حتى بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وهذا يرجع إلى أن بعض الغرائز الإنسانية لا تظهر دفعة واحدة، وإنما تظهر بالتدريج في صور من اللعب واللهو البريء .

ومع كون نظام الإسلام التربوي يراعي طبع الفتاة، وميلها الفطري إلى الترويح : فقد " أحاط هذه الرغبة بسياج من الفضائل، وجعلها منوطة بنبل الأهداف ؛ حتى لا يخرج بها الهوى إلى حيث المجون، والاستهتار، ومعصية الله "، فإن الترويح يخضع لقاعدتي الحلال والحرام، ولا يعدو المباح منه أن يكون وسيلة في حد ذاته، لا يرقى لأن يكون غاية تُهدر من أجلها الأوقات والأموال، فإن الحياة الفاضلة هي الحياة الجادة، ولهو المرء – وإن كان حقاً له – لا قيمة فيه إذا لم يُعدَّه للعمل من جديد، ويبعث فيه النشاط لما بعده من مهام الحياة الكبرى، فمن العبث أن يصبح اللهو غرض الحياة، بحيث لا يعرف المرء من الحياة إلا أن يألم ويكدح ليلهو، ويجتهد ويعمل ليلهو من جديد، فإن هذا المسلك عين التفاهة والسفه،فالأصل " في جواز اللعب ألا يؤدي إلى ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، وألا يشغل عن واجب ويؤدي إلى تركه، وألا يؤدي إلى فعل محرم " .

وفي هذا العصر " يعتبر الترفيه مؤشراً من مؤشرات تطور المجتمعات، فكما أن العمل – الشغل والتشغيل – أمارة الانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الصناعي ؛ فإن الترفيه هو العلامة على الانتقال من المجتمع الصناعي إلى المجتمع ما بعد الصناعي"، وهذا ما يُلاحظ بوضوح في نهاية القرن العشرين , ودخول القرن الجديد من توسع كبير في قطاع السياحة والترويح، ودخول هذا القطاع بقوة ضمن برامج التنمية القومية لكثير من دول العالم؛ لما فيه من دعم ملحوظ وفعال للاقتصاد القومي، حتى إنه يسهم بأكثر من (10%) من إجمالي الناتج العالمي، وربما عن قريب يحتل الصدارة من بين مصادر الدخل في العالم .