الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الأخلاقية للفتاة @ 24- أزمة الهوية الجنسية في المجتمع الطبي الحديث


معلومات
تاريخ الإضافة: 3/7/1432
عدد القراء: 1139
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

لم تكن القضية الطبية - بكل فعالياتها - لتخرج عن النسق الإسلامي في أي جزئية من جزئياتها، فضلاً عن أن تخرج عن النسق الإسلامي في كلياتها وعمومياتها؛ وذلك لأن العبودية في المفهوم الإسلامي أمر عام، تنضوي تحته كل جوانب الحياة، وتصور شامل يضم كلَّ أنشطة الإنسان، فالطب – في المفهوم الإسلامي –  ميدان من ميادين العبوديَّة التي كلَّف الله تعالى بها الإنسان، فهو علم ومهارة وأداء، يدخل جميعه ضمن مفهوم فرض الكفاية، الذي يلزم الأمة في مجموعها، ويلحقها الإثم، إذا لم يقم به من تتحقق بهم الكفاية.

ولما كانت الحاجة الصحية أمراً عاماً يفتقر إليه الجميع، ويشترك فيه الجنسان - الذكور والإناث - كان لا بد من ضبط وإحكام نظم التعامل الطبي بينهما ضمن الآداب الشرعية، وإحكام مناهج الإعداد والتدريب لمهن الطب لتوافق أحكام الشرع ، منطلقين في ذلك من مبدأ تحقيق فرض الكفاية ، الذي ألزم الله به المسلمين، إلا أن واقع المجتمع الطبي الحديث لم يراعِ – في الغالب – الأحكام والآداب الشرعية في العلاقة بين الجنسين، سواء من الهيئة الطبية والإدارية والخدمية، أو من المرضى والمراجعين ، مما اضطر الحكومة في المملكة العربية السعودية – وهي البلد المحافظ – إلى التدخل بفرض الضوابط الشرعية ؛ لإحكام زي النساء العاملات في المستشفيات والمريضات ، ليوافق توجه البلاد المحافظ ، فالكل في المجتمع الطبي يمارس سلوكاً مغايراً لطبيعته في الحياة العامة، حتى في البلاد المحافظة؛ وذلك حين انطلقت النماذج الطبية العربية في الميادين الصحية متأثرة بالنموذج الغربي: إعداداً ، وممارسة ، وتدريباً، وهذا من شأنه الذهاب بالمجتمع الطبي – ذكوراً وإناثاً – بعيداً عن أخلاق المجتمع المسلم المرعية، وضوابط السلوك المحمود، حتى أصبح حكم الضرورة واقعاً مفروضاً في العمل الصحي ؛ حين يضطر الفرد – أياً كان جنسه وموقعه الاجتماعي – إلى التجرُّد عن هويته الجنسية، حين يحتاج إلى التعامل مع جهة صحية، فالتبرج، والاختلاط، والخلوة، وكشف العورة، ونحوها: واقع مفروض ارتبط بالميدان الطبي، حتى أصبحت هذه الممارسات المقيتة: جزءاً من العملية الطبية، وغدا التأثير السلبي واضحاً على المجتمع الطبي، من جراء التمادي في الاختلاط بين الجنسين، وضعف الضوابط السلوكية التي تحكم العلاقة بينهما، حتى قالت إحدى الطبيبات – بلهجتها المحلية – معبِّرة عن مشاعرها الذكورية التي اكتسبتها، متأثرة في ذلك بطول احتكاكها بالرجال في المستشفيات : " أعتقد أن عملي مع الرجال ساعدني على أني أفهم كيف يفكر الرجل، المرأة اللي بتشتغل في معزل عن الرجل بتخاف من التعامل مع الرجال، ما تعرف إمتى تضحك، وإمتى تخاف، ما تعرف فين حدودها معاه، ما تعرف كيف توقف الرجل عند حده لو حاول التطاول عليها"، وتقول إحدى الممرضات – بلهجتها الخاصة – معبِّرة – هي الأخرى - عن هذه المشاعر الذكورية التي اكتسبتها من الاختلاط بالرجال : "عملي مع الرجال أعطاني قوة، وأنا دا الحين أقعد مع أي رجل كأني رجل، دا الحين ما صرت أهاب الرجال، صرت أتكلم معاه ند لند، أحترمه بس ما أخاف منه".

إن التربية الإسلامية تمقت مثل هذه المشاعر والسلوكيات ؛ إذ لا بد أن يبقى لكلٍّ من الجنسين سلوكه الفطري الموافق لجنسه، فلا تسمح بالتداخل بينهما، إلا ما كان سلوكاً مشتركاً بينهما بالشرع؛ فقد " لعن النبي  المخنَّثين من الرجال، والمترجِّلات من النسـاء"، وفي روايـة أخرى : " لعن الرسـول  الرجُلَةَ من النساء " ، وهي المـرأة " التي تتشبَّه بالرجال، في هيئاتهم، وأخلاقهم، وأفعالهم، وأقوالهم "، وهذا التأثير السلبي هو أقل ما يمكن أن يقع من الانحرافات السلوكية في أماكن الاختلاط بين الجنسين، لاسيما حين يقلُّ الضبط السلوكي، ويدوم زمن الاختلاط، كما هو واقع في أنظمة العمل المؤسسي الحديث.

وهذا الواقع الشاذ أفرز أزمة التنازع والتعارض بين مصلحتين ضروريَّتين :

المصلحة الأولى : حاجة المجتمع الضرورية إلى تخصص الفتيات في المجال الطبي؛ ليكفين النساء، ويحقِّقن مصالحهن الصحية، لاسيما فيما يتعلق بصحة النساء التناسلية.

المصلحة الثانية : ضرورة التزام المجتمع المسلم بالضوابط الشرعية في العلاقة بين الجنسين، بما يشمل أساليب إعداد الفتيات للتخصصات الطبية، وميادين عملهن في المستشفيات، والمراكز الصحية، ضمن واقع عالمي ومحلي، لا يراعي – في الغالب – هذه الضوابط ، فيُوقع الفتيات في الحرج الشرعي.

إن المجتمع المسلم يولي قضية المرأة ، وما يتعلق بشؤونها اهتماماً خاصاً، لاسيما فيما يتعلق بخصوصياتها الصحية، وما يترتب على ذلك من التزامات أخلاقية، وضوابط سلوكية، فما زال المجتمع المسلم - رغم ما طرأ عليه من تغيُّرات حديثة – يُلحُّ في طلب الضوابط الشرعية، التي تحكم الأداء الطبي، وتوجِّه مساره ضمن إطار الآداب والأخلاق المرعية، التي يحترمها المجتمع، ويطالب مؤسساته بمراعاتها.