الصفحة الرئيسة @ المقالات التربوية @ التربية الجنسية @ 10- الاختلاط والإثارة الغريزية


معلومات
تاريخ الإضافة: 3/7/1432
عدد القراء: 2408
خدمات
نسخة للطباعة     إرسال لصديق

موضوعات العلاقة بين الجنسين من الموضوعات الاجتماعية المثيرة؛ لما يدخلها من التوجهات الفكرية المتباينة، وما يؤثر فيها من الميول النفسية، والرغبات الشخصية، فما تزال قضية المرأة – بصورة خاصة – موضع جدل واسع على المستويين العالمي والمحلي، وما تزال كثير من قضاياها المختلفة على موائد البحث والنقاش، وما زال الناس مختلفين في توجهاتهم حيالها، الكل يزعم احتكاره للصواب فيما يتبناه من اتجاهات، فالمرأة والعمل، والمرأة والأسرة، والمرأة والإنجاب، والمرأة والإعلام، ... وتبقى في كل هذا قضية علاقة المرأة بالرجل هي الأبرز والأهم لما تحمله هذه العلاقة من الإثارة الفطرية؛ إذ الأصل في العلاقة بينهما داعية النسل، المؤيَّدة بقوى الغريزة الجنسية ومحفِّزاتها، التي تُلِحُّ عليهما باستمرار، وتدعوهما إلى: الاهتمام، والتقارب، والتواصل؛ بحيث يعجز أحدهما عن الامتناع إلا تحت ضغط مؤثِّر أقوى؛ كالدين الحي، أو القانون الصارم، ولا أدلَّ على قوة هذه العلاقة بينهما، وصرامتها وعنفها من قصة امرأة العزيز مع نبي الله يوسف u في القديم، وقصة فضيحة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق "بيل كلينتون" مع المتدربة في البيت الأبيض "مونيكا لوينسكي" في العصر الحديث، فعلى الرغم من المكانة الاجتماعية والسياسية لكل من رئيس الولايات المتحدة وامرأة عزيز مصر، والتي تفرض عليهما طابعاً سلوكياً راقياً، ومع ذلك يهبط كل منهما بغريزته الجنسية في مستنقع الخطيئة، حتى إنه لم يقوَ كل من المقام العالي، والشخصية المرموقة أمام الدافع الغريزي الملح، ولهذا جعلت الشريعة الإسلامية الجنة جزاء لمن حفظ فرجه، فقد قال رسول الله r: "من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه: أضمن له الجنة".

ومن هنا فإن هذه الطبيعة الفطرية لدافع الغريزة الجنسية تحتاج بالضرورة إلى ضوابط تحكم مسارها ضمن الاتجاه الصحيح، الذي يسخرها لخدمة النوع، واستمرار النسل، ضمن نظام الزواج المشروع، وفي الوقت نفسه يحفظها من المثيرات الشهوانية غير المرغوب فيها، والتي تسوقها إلى عطبها ودمارها.

ويأتي الاختلاط بين الجنسين – باعتباره الدافع الأكبر للمثيرات الغريزية- على رأس الأسباب المفضية للوقوع في الفواحش، يقول الإمام ابن الجوزي عن الإثارة الغريزية في مواقف الاختلاط بين الجنسين، حين تحدث عن أهمية المباعدة بين الرجال والنساء إلى أن قال: "الرجل إذا رأى المرأة خيف عليه أن يفتتن، فما حال المرأة ؟ فالجواب : أن النساء شقائق الرجال، فكما أن المرأة تعجب الرجل، فكذلك الرجل يعجب المرأة وتشتهيه كما يشتهيها، ولهذا تنفر من الشيخ كما ينفر الرجل من العجوز"، ويقول الإمام ابن تيمية في هذه المسألة: "اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة؛ فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار بالحطب"، ويقول الإمام ابن القيم: "فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا؛ بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية – قبل الدين- لكانوا أشد منعاً لذلك".

وهذا في الجملة يدل على خطورة موضوع الاختلاط ، لاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن، وتنوعت فيه الأهواء، ورقَّ فيه الدين، وانتشرت – مع ذلك – مواقع الاختلاط بين الجنسين، حتى لا يكاد يوجد مكان يفصل فيه المجتمع بين الجنسين إلا في بعض المجتمعات القليلة المحافظة مثل المملكة العربية السعودية ، ومع ذلك نجد من أبنائها، بل ربما من بعض دعاتها من يدعو إلى الاختلاط بين الجنسين ، بعد أن عافى الله المجتمع السعودي منه .

       ولقد جرت سنة الله تعالى في خلقه على قاعدة التزاوج، باعتبارها نظاماً عاماً يحكم الإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد؛ بل هو نظام يشمل الحياة بأسرها، بكل ما تحمله من المتغيرات الكونية، والخلقية، والسلوكية: + وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "، ثم يختصُّ الخالق – سبحانه وتعالى – وحده بالفردية، التي لا ينازعه فيها أحد من خلقه.

والإنسان بشقيه: الذكر والأنثى لا يخرج عن هذه الطبيعة الزوجية؛ بل يمثِّلها بقوة في أعمق وأدق صورها: + يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء ..."، + يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ... "، فالزوجان –الذكورة والأنوثة- هما معاً أصل التكاثر البشري، ومصدر التناسل الإنساني، ضمن نظام التزاوج بين الجنسين، من خلال الاتصال العضوي المباشر بين ذكر وأنثى، في ظل شريعة ربانية محكمة، تضبط العلاقة بينهما ضمن حدود النكاح الشرعي.

ولما كانت الطبيعة التناسلية عند الإنسان تقتضي الامتزاج الكامل بين ذكر وأنثى، بصورة عميقة لا تُقبل من غيرهما، مهما كانت متانة العلاقة بينهما؛ بحيث يتجاوز كل من الزوجين حدود ذاته – بكل ما تحمله من المتغيرات المادية والروحية- ليتخطاها إلى الآخر، فيكسران معاً حواجز البدن والنفس، ويعرضان عن العادة والطبع، حتى يخترق كل منهما صاحبه في أخصِّ خصوصياته، وأعمق حدوده، إلى درجة الانصهار والتمازج: + ... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ..."، لما كانت الطبيعة التناسلية عند الإنسان على هذا النحو العميق والفريد: كان لا بد من دافع غريزي قوي وعنيف، يحمل الإنسان حملاً على تخطي عوائق النفس والطبع إلى الجنس الآخر للتزاوج، ليثمر ذلك نسلاً يخلف بعضهم بعضاً على الأرض، وتحقق بهم الخلافة فيها، فهذا الدافع – من فرط قوته وعنفه- لا يخضع بصورة دائمة وكاملة لإرادة الإنسان الخاصة، أو اختياره الشخصي، بل يفرض نفسه عليه بقوة سلطانه الشهواني، ويلحُّ عليه لإشباعه، حتى إن من طلب قطعه وإلغاءه، بل حتى لو أراد إهماله وعدم الالتفات إليه: عجز عن ذلك وخاب مراده، إلا حين تساعده الفطرة بضعفها فلا تنشط، ويسانده المجتمع بأدبه فلا يثيره، وتقوى نفسه على التبتل فلا يشتاق، وينشغل فكره بالمعالي فلا يلتفت، أو حين يجني على نفسه ببتر مبعث الشهوة، فعندها – بمساندة هؤلاء - يمكنه أن يقاوم الغريزة ويدفعها.

إن هدف البقاء، واستمرار النوع من خلال التناسل الإنساني يحتاج إلى قوة فطرية تحميه من الضعف، ودروع واقية تحفظه من العطل، فلا يتطرَّق إلى النشاط الجنسي عائق يحول دون اقتناص الولد، باعتباره وحدة البقاء الضرورية، ولهذا ارتبطت الغريزة الجنسية باللذة والمتعة، بجانب ارتباطها بالقوة والعنف، بحيث ينقاد الإنسان بطواعية نحو قضاء الوطر، مندفعاً بحاجته الملحة للاستمتاع والتلذذ، فإذا أعاقه عائق عن بلوغ مقصده كان العنف والقوة، ولهذا ارتبط كثير من الجرائم الواقعة بين الجنسين بالاغتصاب وهتك العرض.

ولما كان للغريزة الجنسية هذا العمق الفطري في طبيعة الإنسان: ضربت بأطنابها على حواسِّه لتكون مجسَّات الغريزة ودلائلها إلى هدفها المسْتلذ في الجنس الآخر، ومقصدها المستطاب عنده، فالبصر، والسمع، واللمس، والشم كلُّها معابر للغريزة: تُذكيها وتُلهبها، وتقودها إلى الوصال، وتحثُّها على الوقاع.

وقد أشار المولى عز وجل إلى خطر هذه الحواس حين تسير في غير الاتجاه الصحيح، وتعمل في غير ما خُلقت من أجله، فقد قال سبحانه وتعالى في حق حاسة البصر: + قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ... "، وأمر رسول الله r في نظرة الفجأة بصرف البصر، وقال: "اصرف بصرك"، وقال تعالى في حق حاسة السمع: +... وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ..."، وقال أيضاً: + ... إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا "، وقال رسول الله r في شأن حاسة الشم: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية"، وقال أيضاً: "أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة"، وقال عليه الصلاة والسلام في شأن حاسة اللَّمس: "إني لا أصافح النساء"، ولما همت إحداهن بمصافحته عند البيعة قال لها: "إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة"، وقال أيضاً فيما نُقل عنه: "لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسَّ امرأة لا تحل له"، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث جامع لهذه الحواس: "كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذِّبه".

ومن هنا فإن الحواس هي موارد الغريزة ومثيراتها الضرورية، فحين تعمل في غير نطاقها الشرعي تكون مذمومة آثمة، بينما تُثاب حين تعمل وتستهلك في موضعها الذي أباحه الله تعالى، فتدخل ضمن مفهوم العبادة التي يؤجر عليها صاحبها: "... وفي بُضع أحدكم صدقة..."، فكل الحواس التي مُنعت من الانطلاق في الحرام: أذن لها الشارع الحكيم بالانطلاق في الحلال، فلا حدَّ يحدُّ الزوجين في النظر، أو اللمس، أو الشم، أو السمع؛ ليكون ذلك كلُّه متعةً مستحسنةً تدعو إلى الوقاع الذي يكون منه الولد، ومن ثمَّ استمرار النسل، وتحقيق مقصد البقاء، الذي جاءت به الشرائع السماوية عامة، والشريعة الإسلامية خاصة، باعتباره مقصداً من مقاصد التشريع، وضرورة من ضروريات الدين، يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "ومقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو: أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة... وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في مرتبة الضرورة، فهي أقوى المراتب في المصالح".

وعلى الرغم من أهمية العلاقة القوية بين الغريزة الجنسية وحواس الإنسان من أجل مقصد استمرار النسل؛ فإن الغريزة بطبعها عمياء، لا تميِّز مواضعها الصحيحة إلا بالشرع والعقل معاً؛ فالشرع يحكم الإرادات والمقاصد، ويحدد الحلال والحرام، فلا يطلب المكلف من الجنس الآخر، ولا يقصد منه إلا الحلال، وأما العقل فيحكم التصرفات، فلا يأتي العاقل من السلوكيات ما يشينه في نفسه وخلقه، فإذا فقد الإنسان أحدهما: لم ينتفع بالآخر؛ ولهذا جاءت الشريعة بالتكاليف للعقلاء المدركين للخطاب دون غيرهم؛ لأن العقل مناط التكليف، فالغريزة – بالضرورة - تفتقر إلى الشرع ليضبط مسارها نحو الجنس الآخر، فلا تميل بشهوتها نحو الأجانب أو المحارم، والعقل يستقبح الانطلاقة المسعورة في الشهوات بغير حدود ولا قيود؛ إذ لا بد للإنسان من محارم ومحرمات من الجنس الآخر لضبط النسب من جهة، ولإثراء الحياة الإنسانية- من جهة أخرى - بعلاقات جديدة ومتنوعة، مبرَّأة من الدافع الغريزي.

ومن هنا كان اللقاء بين الجنسين – خارج نطاق المحارم- مدعاة للإثارة الغريزية؛ فما أن يلتقي الجنسان حتى يتحرك داعي الغريزة من خلال ما تنقله الحواس، مما يُرى، ويُسمع، ويُحَسُّ، ويُشَم، من مستلذات الجنسين، التي تبدأ عندهما بارتفاع درجة الخجل بينهما عند الاجتماع، وربما انتهت – في حالات اجتماعية كثيرة – إلى الوقوع في الفاحشة وتوابعها الاجتماعية، كما هو واقع عام في غالب المجتمعات في العالم المعاصر، وما بين البداية والنهاية من قبائح المسالك والأخلاق ما هو كثير معلوم من الواقع الاجتماعي القائم، الأمر الذي دفع ببعض عقلاء الغرب للتحذير من تفشي ظاهرة الاختلاط بين الجنسين، التي تؤدي بالضرورة إلى الوقوع في الفواحش المهلكة، وهذا ما دفع كثيراً من العلماء المسلمين المعاصرين إلى تحريم الاختلاط بين الجنسين لغير ضرورة شرعية؛ حفاظاً على المجتمعات الإسلامية من الفواحش؛ وذلك لما ثبت عندهم من أن الاختلاط بين الجنسين وسيلة إلى الفاحشة، ومعلوم من الشريعة أن للوسائل حكم المقاصد؛ فالوسيلة إلى المقصد القبيح قبيحة، وكلَّما قويت الوسيلة في أدائها إلى المفسدة كانت أكثر وأعظم إثماً.

ولقد أدرك عقلاء الغرب الدرس من خلال الواقع المؤلم، الذي انعكس بسلبياته الأخلاقية والسلوكية على واقع الحياة الاجتماعية، مما دفع بعض المؤسسات التعليمية لإعادة النظر في جدوى التعليم المختلط، مما أفضى بعد ذلك إلى إنشاء مؤسسات تعليمية كاملة تقوم على أساس الفصل بين الجنسين، ومع ذلك تتبنى المؤتمرات الخاصة بالمرأة، والتي تشرف عليها بعض منظمات الأمم المتحدة: قضية تشجيع التعليم المختلط في العالم الثالث، ولاسيما في الدول العربية والإسلامية؛ حيث تعتبر الفصل بين الجنسين نوعاً من التمييز ضد المرأة، في حين لا يشعر المجتمع المحافظ بأي شعور مشين تجاه المرأة حينما يكرس مبدأ الفصل بين الجنسين، فما زال المجتمع السعودي – وهو أقل المجتمعات العالمية اتصالاً بين الجنسين- يحبذ مبدأ الفصل بين الجنسين، ويستهجن فكرة الاختلاط، ولا يشعر حين يتبنى هذا المبدأ بأي نوع من التمييز ضد المرأة.

وهذا الوضع الاجتماعي لا يحرم المرأة من حقوقها الاجتماعية باعتبارها عضواً من أعضاء المجتمع، فكل ما خُوطب به الناس والإنسان، مما ورد بلفظ المذكر في القرآن والسنة من التوجيهات والحقوق والأحكام هو عام للجنسين، إلا ما دلَّ الدليل على تخصيصه بأحدهما دون الآخر، وفقاً لاختلاف الطبائع الفطرية والوظائف الاجتماعية بينهما، والأدوار الأسرية المنوطة بهما، فإذا قامت الحاجة إلى اجتماع الجنسين لمصلحة شرعية وجب اتخاذ الاحتياطات الشرعية اللازمة لكفِّ الإثارة الغريزية غير المرغوب فيها، من خلال الالتزام بالحجاب، والعمل بآداب الاختلاط، فمثل هذه الضوابط الشرعية لا تمنع المرأة من حقوقها كالخروج لمصالحها وصلة رحمها، والتصرف المشروع في مالها، وحصولها وأدائها للمعرفة، فلم يَحُل الحجاب، والحذر من الاختلاط، وشرف مُقام المرأة في بيتها دون تناقل العلم بين الجنسين، وبلوغ المرأة أعلى مراتب المعرفة العلمية.

ولقد عملت الحركة اليهودية (الماسونية) وقوى الشر معها منذ عقود متعاقبة على إفساد وضع المرأة في العالم بصورة عامة، وفي العالم الإسلامي بصورة خاصة، وذلك من خلال العديد من الخطط، والسياسات، والبرامج، التي تهدف إلى الخروج بالمرأة عن طبيعتها الخلقية، وضوابطها الاجتماعية إلى مسالك الفساد والضلال، من خلال محاربة الأديان السماوية، والطعن في المبادئ الأخلاقية، واحتقار الأعراف والتقاليد الاجتماعية، مما أدَّى – في مجموعه- إلى انفراط العقد الأخلاقي، الذي أدَّى لاحقاً إلى تردِّي أوضاع المرأة السلوكية في غالب المجتمعات الإنسانية المعاصرة بنسب مختلفة، حتى إنه لم ينجُ من هذا الواقع المتردي أي مجتمع من المجتمعات المعاصرة، بما في ذلك المجتمعات المحافظة.

وهذا الواقع العالمي يؤكد ما أشار إليه الصادق المصدوق r من انتشار الزنا في آخر الزمان بصورة مفزعة، تنذر بالهلاك والدمار العام، وهذا ما يؤكد استحالة قيام علاقة نزيهة خالية من الدوافع الجنسية بين الرجال والنساء؛ فإن المرأة تأتي على رأس قائمة ملذات الرجال؛ فقد قال الله تعالى: + زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ "، وقد أكد الرسول r هذا المعنى فقال: "ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء".

وعلى الرغم من خطورة الوضع الأخلاقي في العلاقة بين الجنسين، وما أدَّى إليه من تفاقم المشكلة الجنسية، التي تتطلب – بالضرورة- مزيد حزم وضبط، وعلى الرغم من ذلك يتجه القانون الوضعي في العديد من البلاد الإسلامية إلى التهاون في ذلك، والتراخي في الأخذ بقوة على أيدي المفسدين، مما أدَّى إلى انتشار الفواحش، واتساع دائرة الفساد الأخلاقي ، وأعجب من هذا أن تجد من بين المسلمين ، بل وحتى من بين الدعاة من يدعو إلى الاختلاط باعتباره سنة نبوية !!

ولئن كان التشريع الإسلامي لا يفرق بين الجنسين في الحدِّ المقرر في الزنا؛ فإنه مع ذلك يَلفت المرأة إلى قبيح صنيعها حين قدَّمها بالذِّكر في قوله تعالى: + الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي..."، رغم أن الخطاب القرآني غالباً ما يأتي بتقديم الذكور على الإناث؛ وما ذاك إلا لكون الزنا من المرأة أقبح وأشنع لموضع الحبل منهن، وتلويث الفرش بأولاد الزنا، وما زالت غالب المجتمعات الإنسانية تعتبر المرأة مذنبة حين تلد خارج نطاق الزواج الشرعي، سواء كان ذلك بإرادتها أو بغير إرادتها، رغم أن الشريعة الإسلامية لا تؤاخذ المرأة المستكرهة على الزنا، ومع ذلك كثيراً ما يعبِّر المجتمع المسلم، والعربي على الخصوص عن استنكاره للزنا من المرأة باقتراف "جرائم الشرف"، حين يرى المجتمع أن الزنا عار لا يغسله إلا الدم؛ ولهذا تُقتل في المملكة الأردنية وحدها حوالي خمسٌ وعشرون امرأة سنوياً فيما يُسمى بجرائم الشرف.

إن هذه الأزمة الجنسية، وتوابعها الاجتماعية، وآثارها الأخلاقية مبدؤها من مواقف الاختلاط بين الجنسين، بما تسببه من الإثارة الغريزية، التي تدفع إلى الخلوة الممنوعة الموجبة للتأديب والتعزير، وربما دفعت إلى الوقوع في الفاحشة الموجبة للحد الشرعي؛ ولهذا احتاطت الشريعة الإسلامية للفاحشة بمنع مقدماتها المثيرة للغريزة، فأحاطتها بسياج من المحرمات السلوكية مثل: تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، والتبرج في النساء، والاختلاط بين الجنسين، ونحوها مما يكون مدعاة للفاحشة، كما قال الله تعالى: +وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً"، فمنع سبحانه وتعالى من الوسائل المؤدية إلى الزنا، وهذا أبلغ من أن يقول: ولا تزنوا، فإن معناه لا تدنوا من الزنا؛ لكون الزنا كبيرة من كبائر الذنوب، ورُوي في الحديث: "ما ذنب بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في فرج لا يحل له"، وفي الحديث أيضاً يقول الرسول r موجِّهاً أحد أصحابه ليستعيذ بالله من انحراف حواسه إلى المحرمات: "قل : اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيِّ "، فوجَّه – عليه الصلاة والسلام- إلى الاستعاذة من استهلاك الحواس في الفساد، أو العزم على قبيح الإرادات والمقاصد، ثم ختم ذلك بحفظ الفرج من أن يقع في الزنا، الذي يأتي عادة خاتمة مؤكدة – في غالب الأحوال – لإطلاق العنان للحواس لتستمتع بالمحرمات المستلذة.