55- تحذير الفتاة من اتباع الهوى

الهوى ميل الطبـع إلى ما يلائمه، وهذا الميل خلق في الإنسان لضرورة بقائه؛ فإنه لولا ميله إلى المطعم والمشرب والمنكح : ما أكل ولا شرب ولا نكح، فالهوى مستحث لها لما يريده ،
فلا بد من هوىً يميل بالإنسان إلى هذه المصالح الضرورية لبقائه ونمائه، إلا أن غالب الخطر يكمن في الاسترسال مع الهوى دون كوابح ؛ فإن الواقع البشري يشهد بأن العقل لا يستطيع أن يسيطر على كل هذه الأهواء الإنسانية سيطرة كاملة ؛ فقد يملك الهوى العقل، فلا ينتفع صاحبه به، ولا يفهم من خبرات الحياة إلا ما وافق هواه، وفي الحديث: " حبُّك الشيء يصم ويُعمي "، بل ربما ملك الهوى على صاحبه زمامه حتى يكون إلهه المعبود من دون الله، كما قال الله تعالى : أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ... (الفرقان 43)، بحيث يفقد هذا الصنف من الناس الخصائص التي منحها الله للإنسان من القدرة على الإدراك والفهم والتمييز، فلا يعرف حجة ولا برهاناً، إلا ما تهواه نفسه, وتميل إليه شهواته، وهنا يكون الهوى من أعظم المهلكات، وأشد أنواع المفسدات، يقول ابن عباس – رضي الله عنهما – : " آفة الرأي الهوى".

إن تحرير العقل الإنساني من ربقة الهوى والشهوات هدف من أهداف التربية في منهج الإسلام، ومبدأ مخالفة الهوى حتى وإن لم يضر صاحبه في شيء : مبدأ مقبول أيضاً ؛ لما فيه من إعزاز النفس واحترامها، حتى إن أحدهم قال : " إذا اشتبه عليك أمران فلم تدر في أيهما الصواب فانظر أقربهما إلى هواك فاجتنبه "، ومن المعلوم أن من يطيع أهواءه النفسية وطبيعته الحيوانية، ويهمل جوانبه الإنسانية هو حيوان في صورة إنسان، ومثل هذا الشخص يسير خلافاً لنظام الخلْقة والتكوين ؛ لذا يعتبره الدين الإسلامي ضالاً يستحق العقاب الإله .

والفتاة في سن الشباب أحوج ما تكون للتنفير من هذا الداء ؛ لكون  الشباب شعبة من الجنون , يُزيل العقل بالميل نحو الشهوات؛ لوفرتها في هذه السن حتى تغلبه كغلبة الجنون، فتحتاج الفتاة إلى ضوابط وكوابح تعصمها من الزلل، وتردها عن الخطأ، وأعظم هذه الكوابح : العلم النافع، فإن الهوى يتعارض تعارضاً كاملاً مع المعرفة الصحيحة، وتحتاج أيضاً إلى الإرادة القوية، المبنية على هذه المعرفة الصحيحة، فتختار في ضوئها المسلك السليم والنهج القويم فتعمل به، فلا بد للتعليم أن يعمل من خلال نظامه التربوي على تبصير الفتاة بالمعارف النافعة، وأن تُعطى مجالاً لتدريب إرادتها على حسن الاختيار في المواقف المختلفة، فإن النجاح في التحكم الداخلي في بعض مسائل السلوك يساعد على النجاح في غيرها .