22- تحريم الاتجار الإعلامي بأصوات النساء

وهذا النوع من الاتجار يلحق غالباً بوسائل الإعلام، وبعض مؤسسات العمل، التي تتخذ من صوت الفتاة الرخيم أداة للفتنة الاجتماعية، من خلال الترويج للغناء الخليع ، والإعلانات الدعائية ، والبرامج الإذاعية ، إلى جانب تقصُّد استخدام بعض المؤسسات والإدارات للفتيات في أعمال السكرتارية ، والسنترالات الهاتفية لاستقبال المكالمات ، التي يمكن أن تُعرِّض الفتاة للاستغلال والإحراج من جهة ، وتعرِّض الرجال للفتنة من جهة أخرى ، فمع أن الراجح من أقوال الفقهاء في حكم صوت المرأة أنه ليس بعورة، إلا أنه مع ذلك يُعدُّ فتنة ، " لا يقل طعماً ولذة عن غيره من الحواس ، ومن دونه لا تكتمل نشوة الإنسان ، ولا يصل التواصل إلى أشده "،  فهو من أهم مظاهر جمال الأنثى ، فلو قُدِّر أن وُضع جسد الفتاة الجميل في كفَّة، فإن صوتها الفتَّان يقابله في الكفة الأخرى ، فالفتنة بصوتها أمر ثابت مفروغ منه ؛ وذلك يرجع إلى اختلاف حجم حنجرتها ونمط أوتارها الصوتية عن حنجرة الرجل ونمط أوتاره ، فيصدر صوتها خافتاً غير جهوري ، إلا أنه بالنسبة للرجل يأتيه مُطْرباً فتاناً ؛ وذلك للحكمة التي أرادها الله – سبحانه وتعالى – من انجذاب الرجال إلى النساء لخدمة النوع ، وبقاء النسل .

ومن هنا مُنع النساء في الشريعة الإسلامية من رفع أصواتهن بمسمع من الرجال الأجانب خشية الفتنة ، ولو كان ذلك بما هو ثابت في أصل الشرع كالأذان والصلاة ، وقراءة القرآن ، والتلبية في المناسك، والتسبيح في الصلاة ، وإلقاء التحية – ولو كان كل ذلك من وراء حجاب – بحيث يزداد المنع شدة إذا صاحب ذلك تلذُّذ واستحسان من الرجال ، وإثارة للشهوة ، في حين يمكنهن رفع أصواتهن بهذه العبادات دون حرج شرعي إذا كنَّ بمعزل عن مسامع الرجال الأجانب ، ولا يستثنى من كل هذا إلا ما دعت إليه الحاجة ، وانتفت عنه الفتنة، فلا بأس حينئذٍ من سماع الرجل المأمون لصوت المرأة الأجنبية بقدر تلك الحاجة ، في غير تكسُّر وخضوع منها ، وفي غير تلذذٍ واستحسان منه .

وأما سماع الرجل الأجنبي لصوت المرأة تُطرِّب وتتغنى، فلا شك في تحريمه عند العلماء عامة ، ولو كان من وراء حجاب في عرس أو عيد ، فإذا صاحب ذلك شيء من المعازف الممنوعة : كان التحريم أشد وأغلظ ، وإنما الخلاف عندهم في جواز سماع الأجنبي من الأمة المملوكة دون آلة مطربة، في غير فحش أو تكسُّر ، فالأغلب على المنع منه أيضاً ، وما زال العلماء في كل عصر يستنكرون الغناء من النساء عموماً ، حرائر كنَّ أو مملوكات ، وربما عوقبن على ذلك ، وأغلظ على أوليائهن .

ومن هنا فلا يصح من المرأة المسلمة أن يرتفع صوتها في الحياة الاجتماعية العامة إلا من حاجة تقدَّر بقدرها ، ولا يصح – بالتالي – من وسائل الإعلام أن تستخدم صوتها في الترويج لبرامجها – مطلقاً – حتى الصالح منها ؛ فإن مشاركة المرأة الإعلامية لا تتوقف على صوتها ؛ إذ إن في الكتابة ما يُغني عن العبارة ؛ فإن الكتابة "  عين من العيون ، بها يبصر الشاهد الغائب ، والخط هو آثار يده ، وفي ذلك تعبير عن الضمير بما لا ينطلق به اللسان ، فهو أبلغ من اللسان "  ، والقاعدة الفقهية تنص على أن : " الكتاب كالخطاب "  ، فلا يضير المرأة أن تكتب ويُلقي الرجل نيابة عنها ، ويحصل من ذلك المقصود والنفع العام .

ومما ينبغي أن يعرف أن المشاركة في الأنشطة الإعلامية لا تنحصر سلبياتها في مسألة ظهور صورة المرأة وارتفاع صوتها فحسب ؛ فإن المجتمع الإعلامي بطبيعته المعاصرة يحوي - إلى جانب ذلك- كل سلبيات العمل المؤسسي الحديث مثل : الاختلاط بين الذكور والإناث ، والخلوة الممنوعة ، ورفع الحرج بين الزملاء والزميلات من حيث : الاستلطاف الاجتماعي ، وإلقاء التحية ، والمصافحة بالأيدي ، وتبـــادل الأحاديث الوديــــة ونحو ذلك، ولا شك أن واحداً من هذه المواقف فضلاً عن مجملها كافٍ لصدِّ المرأة عن هذا السبيل المهني الخطير .