21- الاتجار الإعلامي بصور النساء

تستغل وسائل الإعلام المقروءة والمنظورة أسلوب الاتجار بصور الفتيات الجميلات بهدف الترويج للبضائع الاستهلاكية ، والبرامج التليفزيونية، والأفلام السينمائية ، والعروض المسرحية ؛ حيث تشترك في فعاليات هذه المعروضات الإعلامية نسبة كبيرة من الفتيات والنساء العاملات دون سن الخامسة والثلاثين ، ويشاركن أيضاً في إدارة الأنشطة الإعلامية بنسب كبيرة قد تصل في بعض القطاعات إلى 75% ، وفي بعضها إلى الثلث ، وربما وصل بعضهن إلى أعلى مواقع اتخاذ القرار في هذه المؤسسات الإعلامية ، ومع ذلك لايزال عنصر الرجال هو المسيطر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على السياسات الإعلامية العامة ، وأهدافها الخاصة ، بحيث لا يعدو العنصر النسائي في هذه المؤسسات-رغم كثرتهن- كونه أداة للتنفيذ والمتابعة ، بل إن مناقشة قضاياهن الخاصة – باعتبارها مضامين إعلامية مهمة للمرأة – لا تكاد تزيد في بعض هذه الوسائل الإعلامية عن (0.39%) .

وقد بدأت الحركة الإعلامية بين المسلمين على يد جمع من النصارى العرب في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ، ولما كانت المرأة المسلمة في ذلك الوقت مخدَّرة مصونة : استخدم الإعلاميون بعض الرجال للقيام بالأدوار النسائية ، ثم استمر الوضع على هذا الحال نحواً من ثلاثين عاماً، حتى تجرَّأ أحدهم عام 1882م فكوَّن فرقة مسرحية يشترك فيها بعض النساء لأول مرة في العالم الإسلامي .

ثم تدرَّج الإعلاميون بالمرأة المسلمة ، يغزون بها مجالات الإعلام المختلفة ، ويبرزونها في كل ميدان رخيص يمكن أن يُستثمر فيه جسدها – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – في فنون الإغراء الجنسي المدر للمال ، بحيث يكفي إحداهن للنجاح في هذا الميدان : جمالها الأنثوي ، ومدى قدرتها على الإغراء والإثارة ، وحجم جراءتها في إبداء مفاتن جسدها ، ضمن حدود ما يسمح به القانون، بينما يُعتبر انخفاض مستوى الإثارة في شكل المرأة ، بزيادة وزنها – مثلاً – أو ارتدائها للحجاب ، ونحوهما سبباً كافياً لإقصائها عن البروز الإعلامي للمشاهدين ، في الوقت الذي لا تكون فيه الأميَّة سبباً كافياً لرفض مشاركتها الإعلامية ، ما دامت تحمل شهادة بتفوقها الجسدي .

إن أحقر مجالات الاتجار التي تستخدم جسد المرأة – بعد الاتجار بصورها الجنسية الفاضحة – اتخاذ المرأة الجميلة واسطة بين المُنتج والمُستهلك ، فتُستغل من الجهة البيولوجية لترويج البضائع والمنتجات الاستهلاكية ، بحيث لا يظهر من جوانب شخصيتها الإنسانية في لحظات العرض الإعلاني سوى جانبها الأنثوي ، فتبدو وكأنها كتلة جنسية في هيئة إنسانية، مفرَّغة من كل معنى آخر للإنسانية عدا المعنى الغريزي ، بينما لا يُستخدم الرجل في مثل هذه المواقف المشينة لاختلاف الطابع البيولوجي ، مما يؤكِّد أن استغلال الإناث في هذا المجال تسلُّط ذكوري شهواني، فرضه الشُّح المالي ، والاستغلال التجاري .

وقد أثبت الواقع الاقتصادي نجاح هذه الوسائل الدعائية في إقناع المستهلك العادي ، ودفعه للشراء ، وسرُّ هذا التأثير الفعَّال يكمن في كون الدعاية تعبث بالعقل ، من خلال استمالتها لحاجات الإنسان الدنيا ، التي تفتقر إلى الإشباع بصورة دائمة ، فتُحدث تغيرات عقلية ونفسية عند المتعرضين لها ، تستهدف توجيههم لما يخدم أهداف المُعلنين ، وغاياتهم الاقتصادية ، التي تصبُّ في نهاية الأمر في أيدي شرذمة قليلة من كبار المحتكرين الرأسماليين .

ورغم أن النساء – كما هو المفروض – لا يتأثَّرن غريزياً بهيئات بنات جنسهن في صور الإعلانات ، إلا أنهن – مع ذلك – من أكثر فئات المجتمع انصياعاً وتأثُّراً بهذه الإعلانات ؛ وذلك لكون غالب هذه المستهلكات المُعلن عنها تتصل بحاجاتهن بوجه من الوجوه، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى تأثير الإعلان النفسي ، وما يبعثه في نفوس الفتيات والنساء عموماً من رغبات الكمال والجمال ، وملذات الاستمتاع التي تظهر عليها فاتنات الإعلانات الدعائية، فلا تملك إحداهن – أمام هذا الإغراء الذي يستهدف أعمق حاجاتها النفسية – إلا الاستسلام والانقياد .

إن الإسلام الحنيف ينهى – ابتداءً – عن كل صور الاستغلال الإنساني، والابتزاز المالي ، فلا يسمح للمنتج أو البائع أن يستغل غفلة المستهلك ، أو حاجته ، أو غريزته ليروِّج لسلعته ، وحتى الحَلِف لا يسمح له به فضلاً عما هو فوق ذلك من أساليب المكر والخداع، بل إن الإسلام في الحقيقة يعتبر الإعلام بكل فروعه ومجالاته : "صورة معبِّرة عن خلفيات المجتمع الإسلامي ومبادئه وقيمه ومفاهيمه ، كما أنه صورة عن حركة الإسلام الواقعية في الأسرة والمدرسة والشارع والمصنع والشركة ، وغيرها من مساحات المجتمع المسلم ، فهو في العموم صورة معبِّرة عن تحكيم شريعة الله تعالى في شؤون الحياة "، فأيُّ سلوك إعلامي – مهما ادَّعى أصحابه النزاهة والإخلاص – خالف التصور الإسلامي في جزئية أو كلية فهو سلوك مرفوض، حتى وإن جرَّ شيئاً من النفع المادي ؛ فالمرأة في العموم – وحتى الكافرة – ذات مصونة في المجتمع المسلم ، لا يصح بحال أن تكون منظـــرة للرجـــال ، والمرأة المسلمة – فوق ذلك – ذات محرمة من كل وجه، لا يجوز للأجنبي النظر إلى شيء من بدنها ، لا في وضع مباشر ، ولا في آلة عرض ، أو ورقة نشر، بل ولا يصح شرعاً أن يصل إليه خبر وصفها فضلاً عن أن يرى منها ذلك بنفسه ، وأبعد من ذلك صونها عن نظر المرأة الكافرة والفاسقة فضلاً عن نظر الرجل الكافر أو الفاسق ، فكيف يصح – والنظرة الشرعية هذه – أن تبرز الشابة المسلمة في وسائل الإعلام المرئية أو المنشورة لعامة الناس صالحهم وفاسقهم ، مسلمهم وكافرهم ، وقد بدت بعض عورتها التي لا يصح أن يراها إلا زوجها ، فيستخدمها الإعلاميون كأداة للإثارة الجنسية ، بهدف الترويج لبرامجهم الفنية ، وأفلامهم السينمائية ، وإعلاناتهم التجارية ، في الوقت الذي يهدد فيه الشارع الحكيم مَن يبرز للناس فيكذب ليُضحكهم ، فكيف بمن يبرز للناس فيفتن ليثيرهم جنسياً ، بل كيف بالمرأة الشابة الحسناء تصنع هذا ؟

ورغم أن بعضهم: يستنكرون استغلال المرأة في الترويج للسلع التجارية ، ويستقبحون ذلك من الإعلاميين، إلا أنهم – مع ذلك – لا يستنكرون بروزها في المواقف الإعلامية الأخرى ، بينما نجد أن الشارع الحكيم لا يتعامل مع نوع الموقف الإعلامي الذي تظهر فيه المرأة ؛ بل يتعامل مع المبدأ من أساسه، فيمنع كلَّ صور البروز الإعلامي للإناث عموماً ، وللفتاة والمرأة المسلمة خصوصاً ؛ حيث يرى أن المرأة عموماً – كبيرة كانت أو شابة – لا تكون منظرة في المجتمع يتأمَّلها كلُّ أحد ، حتى وإن كان الظاهر منها الوجه والكفَّان، فإن إجماع المسلمين قائم على هذا ، حتى وإن كانت تبرز في مواقف إعلامية إيجابية ، تقدِّم فكراً نيِّراً ، أو ثقافة صالحة ، إلا أن تحجب شخصها عن أعين الأجانب ؛ فإن إنتاج المرأة العقلي مهما كان متفوقاً فإنه يفقد مكانته وتأثيره عند الرجال إذا جاء ممتزجاً بأنوثتهــــا، فالرجـــل – بطابــع الغريزة – قد يغفــــل عن إبداعها العقلــــــي لطغيــــان جانبها الأنثــــوي، ولهذا فـــإن السيدة عائشة– رضي الله عنها – في جميع مواقفها العلمية والسياسية المؤثرة كانت محتجبة الذات بصورة كاملة عن الرجال الأجانب .

ورغم أن قضية الاتجار الإعلامي بصور النساء من قضايا المرأة المسلمة المهمة والخطيرة ، إلا أنها – مع ذلك – لا تتجاوز فتنتها وبهرجها مجموع الفتيات والنساء الجميلات والموهوبات في المجتمع ؛ لكونهن المستهدفات بمثل هذه المواقف الإعلامية المبتذلة ، ومع ذلك فإن المجتمع الإسلامي لا يسمح لأي فرد من أفراده أن يكون فتنة للآخرين ، كما أن الفرد في المجتمع المسلم لا يرضى لنفسه أن يكون موقع ابتذال أو استغلال من الآخرين ، ومن هنا فلا يصح من المرأة المسلمة أن تتنازل عن شرفها وكرامتها تحت ضغط الإغراء بالمال أو الشهرة ؛ " فإن المرأة الجديرة بالإعجاب ، هي تلك التي تحافظ على جسمها من أن يصير متاعاً مباحاً لأي رجل على الإطلاق لا ترتبط به ارتباطاً شرعياً ".

وللمرأة المسلمة المعاصرة العبرة الكاملة فيمن سبقها من الفتيات والنساء اللاتي خضن غمار الشهرة الإعلامية ، ووصلن إلى أعلى درجاتها ، فما خرجن بعد طول عطاء بشيء سوى الحسرة والندم ، والأمراض النفسية ، والانحرافات الخلقية ، فمنهن : المنتحرة البائسة ، والتائبة النادمة ، والمحذِّرة الناصحة ، فلا يسع المرأة المسلمة سوى الإعراض الكامل عن المشاركة بشخصها في وسائل الإعلام ، خاصة بعد أن ثبت أنها في الأعم الأغلب جهاز للإفساد الاجتماعي، فقد صدر بحقها التوصيات العلمية المتكررة للتنبيه على ذلك ، ومنها ما جاء ضمن توصيات ندوة منظمة المؤتمر الإسلامي الأول ، حول: "  دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي " ، المنعقدة في طهران عام 1995م ، حيث جاء فيها ما نصُّه : "  اتخاذ التدابير المناسبة لمنع ومكافحة جميع أشكال العنف ضد المرأة ومحاربتها ، بما في ذلك استغلالها جنسياً ، والمتاجرة بها، والتصوير الإباحي ، وعرضها على أنها بضاعة جنسية في أجهزة الإعلام"، ومن هنا فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تكون عنصراً يشارك هذا الجهاز في مهمة الإفساد والإضلال الاجتماعي .